ج١ص٢١٢
التصديق بجميع ذلك لزم أنّ من صدق بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، ولم يصدّق بغير ذلك لأنه لم يبلغه لأنه في دار الكفر أو لقوب عهده بالإسلام لا يكون مؤمناً، وهو مؤمن بالإجماع، وإنما الخلاف في الإيمان المجمل، وهو أن يقول آمنت بالله كما هو بأسمائه وصفاته وقبلت جميع أحكامه، وان أريد التصديق في الجملة، ولو ببعضه كالتوحيد فهو غير كاف بالإجماع قلت قد أورد هذا بعض الفضلاء، وأجاب عنه بأنّ المراد التصديق بجميع ذلك بشرط بلوغ الخير إليه وعلمه بكونه من ضروريات الدين، وفيه بحث فتدبر. قوله :( ومجموع ثلانة أمور إلخ ) هو مرفوع معطوف على التصديق في قوله فالتصديق إلخ وأن المراد بالحق هنا هو الله بل خلاف الباطل وتعريفه للعهد لأنّ المراد به ما مز، وهو المعلوم من الدين بالضرورة، وقيل : هو الحكم الثابت بالشرع علميا كان او عمليا، ولا يخفى أنه لا يصح على إطلاقه، فلا بد مما قلناه والاعتقاد افتعال من العقد، وهو عقد القلب أي الجزم به، وهو
مجاز صار حقيقة عرفية وفي بعض النسخ ومجموعة ثلاثة أمور بالإضافة إلى الضمير الراجع للإيمان وليست سهواً كما توهم. نعم الأولى أولى رواية ودراية، والمراد بالإقرار ما يعتبر شرعاً وهو كلمة الشهادة والعمل فيما إذا كان عملياً ولم يقيد به لظهوره، فإن قلت إن أراد أن أصل الإيمان ما ذكر فمذمب السلف من المحدثين ليس كذلك لعدم تكفيرهم لمن أخل ببعضها، ولا واسطة والاً كان عين المذهبين الآخرين وان أراد أنه الكامل منه لم يتفرع عليه ما ذكر، ولذا قيل الظاهر أن يأتي المصنف بالواو مكان الفاء قلت قال : بعض المدققين أنّ من جعل الأعمال جزءاً من الإيمان منهم من جعلها داخلة في حقيقته حتى يلزم من عدمها عدمه وهم المعتزلة، ومنهم من جعلها أجزاء عرفية لا يلزم من عدمها عدمه كما يعد في العرف الشعر والظفر واليد والرجل أجزاء لزيد مثلاً، ومع ذلك لا يعدم بعدمها، وهو مذهب السلف كما في الحديث " الإيمان بضع وستون شعبة " إلخ فلفظ الإيمان عندهم موضوع للقدر المشترك بين التصديق والأعمال، فإطلاقه على التصديق فقط، وعلى مجموع التصديق والأعمال حقيقي كما أنّ المعتبر في الشجرة بحسب العرف القدر المشترك بين ساقها فقط، ومجموع الساق مع الأوراق والشعب ولا يتطرّق إليها الانعدام ما بقي الساق، وكذا حال زبد فالتصديق بمنزلة أصل الشجرة، والأعمال بمنزلة عروقها وأغصانها، فما دام الأصل باقيا يكون الإيمان باقيا وان انعدصت الشعب، ومن قال : إنها خارجة عنه لا يمنع من إطلاق الإيمان عليها كما في الحديث مجازاً، فلا مخالفة بينهم إلا في أنّ الإطلاق حقيقي أو مجازي، وهو بحث لفظي، ومن هنا علم لطف إطلاق الشعب في الحديث لما فيه من الإيماء إلى ما ذكر، وفي شرح المقاصد أنّ الإيمان يطلق على ما هو الأصل والأساس في دخول الجنة، وهو التصديق وحده أو مع الإقرار وعلى ما هو الكامل المنجي بلا خلاف، وهو التصديق مع الإقرار والعمل على ما أشير إليه بقوله تعالى :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [ الأنفال : ٢ ] إلى قوله :" ﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ﴾ [ الأنفال، الآبة : ٧٤ ] وموضع الخلاف أنّ مطلق الاسم للأوّل أو للثاني وهذا لا ينافي كونه لفظياً لأنه يرجع بالآخرة إليه وما قيل من أنّ المراد اتفاق هذه الفرق في هذه العبارة يعني مجموع الثلاثة لا يسمن ولا يغني من جوع. قوله :( فمن أخل بالاعتقاد إلخ ) يقال أخل إذا افتقر لأنه صار ذا خلة أي فقر، وأخل بالشيء إذا تركه، أو قصر فيه وهو المراد هنا وعبر به لإخراح العجز في أخويه لأنه لا يضرّ واشارة الأخرس المفهمة في حكم الإقرار فتدخل فيه، وقيل عليه : إنّ من أخل بالاعتقاد والعمل أيضا منافق، فينبغي ترك قوله وحده كما في بعض النسخ، ولذا قال في الكشاف : فمن أخل بالاعتقاد، بأنّ شهد وعمل، فهو منافق ولم يقيد الإقراو والعمل به لأنّ المخل بالإقرار كافر مطلقاً والمخل بالعمل فاسق مطلقا، ولشى بوارد لأنّ المخل بالاعتقاد والعمل ليس بمنافق وفاقا لأنه كافر عند الخوارج، وخارج من الإيمان عند المعتزلة والمنافق من يظهر الإيمان ويبطن الكفر، فإذا جعل
قوله وفاقا قيد الجميع ما قبله اندفع ما ذكر بلا مرية، وقد قيل : إذا ظهر المراد، فلا إيراد وعدل عما في الكشاف تنبيها على ما قصده لا لغفلة منه كما توهم، وقد يقال : إنّ من ينافق قد يتركهما خفية


الصفحة التالية
Icon