ج١ص٢١٦
فقوله وأوقعته إلخ تفسير له بالثاني لأنه المقصود، وهذا إشارة إلى المراد أي كون المراد بالغيب القسم الثاني من الخفيّ المذكور على هذا التقدير لا إلى كونه بمعنى الغائب، أو الخفيّ على التقديرين كما قيل، لأنّ القسم الأوّل ليس مما يلزم الإيمان به إلا إجمالاً بأن يعتقد غيباً لا يعلمه إلاً الله فتأمّل. قوله :( وإن جعلته حالأ إلخ ) فالإيمان على الأوّل مضمن معنى الإقرار والاعتراف أو مجاز عن الوثوق، ومعنى الغيبة صفة للمؤمن به أي يؤمنون بما هو غائب عنهم، وعلى هذا هو بمعنى التصديق بلا تضمين ولا تجوّز والغيبة صفة للمؤمنين والمؤمن به محذوف للتعميم والمبالغة أي يؤمنون بجميع ما يؤمن به في
حال غيبتهم كما يؤمنون حال حضورهم لا كالمنافقين، وهذا الوجه يختص بغير الصحابة رضي الله عنهم لمشاهدتهم للنبيّ صلى الله عليه وسلّم ومعجزاته، وهو مما يجب الإيمان به، فليس إيمانهم كله بالغيب، وكذا في الوجه الأوّل ويجوز أن لا يخصص أمّا على أنه من إسناد ما للبعض إلى الكل مجازاً كبنو فلان قتلوا قتيلاً، وهو المناسب لظاهر الحصر في أولئك هم المفلحون لئلا ينتفي الفلاح عنهم، أو التخصيص بالغيب نظرا كثر. كالله وصفاته وأحوال الآخرة من الحشر وتحوه، ولفضل الإيمان بالغيب أو خروج الرسول، ونعته عنه لا ضير فيه لأنه معلوم بدلالة النص والطريق الأولى، أو المراد أنهم يؤمنون بالغيب كما يؤمنون بالشهادة، فهو للدلالة على قوّة إيمانهم، وأنهم استوى عندهم المشاهد وغيره. قوله :( أو عن المؤمن به ) المؤمن بفتح الميم الثانية اسم مفعول وهذا معطوف على قوله : عنكم والمؤمن به النبيّ عليه الصلاة والسلام كما في كلام ابن مسعود رضي الله عنه، وهذا هو الظاهر أو الأعئم الشامل. وقوله :( لما روي أنّ ابن مسعود إلخ ) هو عبد الفه بن مسعود الصحابي المشهور رضي الله عنه، وهذا أثر صحيح عنه مخرج في السنن موقوفاً عليه وقد قال له الحارث بن قيس : عند الله نحتسب ما سبقتمونا به من رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال ابن مسعود : عند الله نحتسب إيمانكم بمحمد صلى اللّه عليه وسلّم، ولم تروه إنّ أمر محمد صلى اللّه عليه وسلّم كان بينا لمن رآه، والذي لا إله إلا هو ما آمن أحد أفضل من إيمان بغيب ثم قرأ ﴿ ألم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ إلى قوله :﴿ الْمُفْلِحُونَ ﴾ كذا أخرجه الدارمي في سننه وصححه الحاكم، وقراءته للآية مستشهدا بها على ما ذكره تدلّ على أنها محمولة عنده على هذا المعنى وبمعناه ما روي مرفوعاً في السنن أيضا أنّ أبا عبيدة بن الجزاح قال : يا رسول الله أحد خير منا أسلمنا وجاهدنا معك قال :" نعم قوم يكونون بعدكم يؤمنون بي ولم يروني " ) ١ ( وما قيل : من أنه يفضي إلى أن الصحابة أجمعين غير داخلين في الآية، وأنها مخصوصة بغيرهم ومعنى كونهم أفضل إنهم أعجب حالاً ليس بشيء لأنهم خارجون على تفسير ابن مسعود ولا
محذور فيه وليس معنى الخيرية ما ذكر لأنها تختلف بحسب الإضافات، والاعتبارات فالصحابة خير الناس لنيلهم شرف القرب من الرسول صلى الله عليه وسلّم واشراق باطنهم وظاهرهم بنور النبوّة ولزوم سيرة العدل والصدق والتنز. عن دنس المعاصي، وهو المراد بحديث " خير القرون قرتي ) ( ١ ) إلخ وخيرية غيرهم بإيمانه بالغيب، ورغبته ومحبته لله ورسوله مع انقضاء مشاهدة الوحي وآثار. وفساد الزمان كما قال القائل لله درّه :
رأيت عبيد الذ أكرم من مشى وأكرم من فضل بن يحيى بن خالد
أولئك جادوا والزمان مساعد وقد جاد ذا والدهر غير مساعد
وكذا ما قيل : من أنّ في عبارة المصنف رحمه الله إيجازا مخل لجواز أن يراد به الغيب
عن المؤمنين، فكأنه اعتمد على ما في الكشاف من أنّ أصحاب عبد الفه ذكروا أصحاب رسول الله ﷺ وايمانهم فقال ابن مسعود رضي الله عنه : إنّ أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم كان بينا إلخ. قوله :( وقيل المراد بالغيب القلب إلخ ) فالغيب القلب لأنه غائب مخفيّ قيل : ويعضده التعبير بالمضارع، لأنّ إيمان القلب مستمرّ. وقوله :( والمعنى يؤمنون بقلوبهم ) في بعض النسخ بدله والمؤمنون بقلوبهم. قوله :( قالباء على الآوّل إلخ ) قيل يراد بها تصيير الفعل اللازم متعدياً أي مساويا له معنى، فمعنى ذهب بزيد أذهبه، وقد يراد بها ما هو لازم لكل حرف جر، وهو إفضاء معنى متعلقها إلى مدخولها، وهو متعين للإرادة هنا، وحينئذ لا تحس


الصفحة التالية
Icon