ج١ص٢١٩
إذا اجتهد وبالغ وشمر ثوبه رفعه، وشمرت السهم أرسلته مصوباً على الصيد والأداء في اللغة حقيقته دفع ما يحق دفعه، وتوفيته كأداء الدين والأمانة قال تعالى :﴿ فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ ﴾ [ البقرة : ٢٨٣ ]، وأصله على ما قاله الراغب من الأداة وهي ما يتوصل بها إلى الشيء كالحبل للاستقا من البئر، وهو في الاصطلاح أخص منه لأنه فعل الشيء الذي عين له الشارع وقتا معيناً فيئ وقته أوّلاً، ويقابله القضاء والإعادة على ما تقرّر في الأصول لأنّ ما عين له وقت كالصلوات الخمس إن وقع في وقته المعين ولم يسبق بأداء غير مختل فأداء والاً فإعادة، فإن وقع بعده ووجد فيه سببه فقضاء، والأداء هنا بمعناه اللغوي أو الشرعي ولا محذور فيه، والتجلد المبالغة في إظهار الجلد والقوّة لا تكلفه كما في قوله :
وتجلدي للشامتين أريهم
وفي الكشاف او التجلد والتشمر لأدائها وأن لا يكون في مؤدّيها، فتور عنها ولا توان من قولهم قام بالأمر وقامت الحرب على ساقها، وفي ضدّه قعد عن الأمر وتقاعد عنه إذا تقاعس
وتثبط اهـ ( والكلام هنا في أمرين الأوّل ) أنّ ما ذكره المصنف رحمه الله هل هو بعينه ما في الكشاف أم بينهما فرق ( الثاني ) أنّ الباء في قام بالأمر هل هي للتعدية ليلزم الجدّ لأن جعل الأمر قائما لا يتأتى بدون جد، أو للملابسة فإنه لا يقال عرفا قام بالأمر إلا إذا تلبس به على وجه الاهتمام قال قدس سزه : حقيقته قام متلبساً بالأمر والقيام له يدل على الاعتناء بشأنه ويلزمه التجلد والتشمر، وأطلقوا القيام على لازمه فهو مجاز مرسل كما مرّ، ومنه قاصت الحرب على ساقها إذا اشتدت كأنها تشمرت لسلب الأرواح وتخريب الأبدان، واعترض عليه بأنّ الإقامة إذا كانت مأخوذة مما ذكر كان معناها على قياس التعدية جعل الصلاة متجلدة متشمرة لا كون المصلي متشمرا في أدائها بلا فتور كما ذكر، ووصف الصلاة بالتجلد إنما يصح بوصفها بما لفاعليها كجد جدّه، ولا يخفى بعده وليس لك أدن تقول باء قام بالأمر للتعدية، فالمستعمل بمعنى التجلد والاجتهاد هو الإقامة في الحقيقة لأنّ قولهم في ضده قعد وتقاعد عن الأمر يبطله، وأيضا القيام يناسب التشمر لا الإقامة كما أنّ القعود يلائم الكسل لا الإقعاد اهـ. ومنه يعلم أنّ ما أورد على الكشاف من أنّ كلامه لا يشعر بوجه التجوّز والعلاقة، ودفعه بأنه ليس بلازم ساقط من درجة الاعتبار، وقيل : إنّ المصنف عدل عما في الكشاف، وضمّ إليه إقامة إشارة إلى أن قام بالأمر وأقامه بمعنى جد فيه، فأقامه من باب الحذف، والإيصال والقيام بالشيء يدلّ على التشمر له فكذا الإقامة، وزعم هذا القائل أنه جواب عما أورد على المصنف من أنّ كلامه يدلّ على أنّ معنى قام بالأمر وأقامه واحد، وليس كذلك لأنّ الباء في قام به ليست للتعدية، فلا يكون بمعنى أقامه، واقامة الأمر ليست بمعنى التجلد أيضاً ولو كان أقام من القيام بمعنى الجد لكانت الصلاة مجدة، ولا يخفى فساده لأن أقام متعد، وعلى الحذف والإيصال إمّا أن يكون لازما أو مفعوله مقدر، وكلاهما غنيّ عن الردّ، وقيل : إنه أشار بضمّ الإقامة إلى أنّ الباء للتعدية، وبقوله إذا جد فيه وتجلد إنى أنّ الجد والتجلد على تقدير كون الباء للتعدية أيضاً صفة المصلي دون الصلاة بطريق اللزوم فإن معناه نصبه بعد انخفاضه أو سوّاه بعد اعوجاجه، فيكون مسببا عق الجد والتجلد، ويؤيده قول عين المعاني والكواشي قام بالأكحر إذا قوّمه وأتمه هذا زبدة القال والقيل.
( وأنا أقول ) معتمدا على من بيده الهداية إلى سواء السبيل.
اعلم أنّ قول المصنفين من قولهم كذا أو من كذا قد يريدون به بيان حقيقة المجاز أو أصله، ومأخذه المنقول عنه، فتكون من ابتدائية وقد يريدون أنه من قبيله، وأمثاله فتكون من بيانية وما نحن فيه من الثاني لا من الأوّل على ما سيأتي، وقام بالأمر معناه جد فيه، وخرج عن عهدته بلا تأخير ولا تقصير، فكأنه قام بنفسه لذلك الأمر، وأقامه أو رفعه على كاهله بجملته كما قال :
شديدا بأعباء الخلافة كاهله
فقد قام وأقام وحينثذ يصح فيه أن يكون استعارة تمثيلية أو مكنية أو تصريحية، وحقيقته
ما ذكرناه، ويجوز أن يكون مجازا مرسلاً لأنّ من قام لأمر على أقدام الاقدام، ورفعه على كاهل الجدّ فقد بذل جهد. ، وتمثيله بقامت الحرب على ساقها إلى الأوّل أميل إلا أنّ كلام الشريف رحمه الله لا يخلو من الإشكال لأنّ قوله ملتبساً لا يفيد ما ذكرناه على أنه لو كان معناه قام له كان الأنسب جعل الباء سببية، فكلامه بفحواه