ج١ص٢٢٠
شاهد على خلاف مدّعاه. وقوله :( كأنها تشمرت إلخ ) يناسب الاستعارة لا المجاز المرسل الذي أطبقوا عليه، وكان هذا هو الباعث للمصنف رحمه الله على إهمال ذلك المثال وما ذكره من الاعتراض غير وارد لما عرفت من أنّ معنى فام به أقامه، والتشمير والجد لازمه أو حاو معناه وهو المعنيّ بقوله، وليس لك أن تقول إلخ وهو معناه بعد التعدي بالباء أو الهمزة، وما اعتمد عليه من أنه لا يتأتى في ضدّه لتعيينه لأنه معنى الثلاثيّ بدون تعدية مدفوع لأنه توهم أنّ عن ليست للتعدية، فكذا الباء وهو تخيل فارغ فإنها تأتي للتعدية كما في رضي الله عنه وأرضاه، فأيّ مانع من جعل قعد عته بمعنى أقعده أي تركه وأهمله، أو جعل ضد القيام المتعدّي القعود اللازم على أنا نبهناك قبل عن أنّ اللفظ المتجوّز فيه يعمل بكلا العملين عمل المعنى الحقيقي والمعنى المجازيّ، وأمّا حديث التجوّز في الإسناد، فنحن في غنية عنه.
واذا تامّلت ما قصصناه عليك عرفت أنّ منهم من لم يفصح عن المراد، ومنهم من لم
يحم حول موارد السداد، وقد أوردناه بعرضه وطوله، لتفرق بين فضله وفضوله. قوله :( وضذّه إلخ ) أي ضد قام بالأمر وأقامه إذا جد فيه وتجلد والضدية باعتبار أصل المعنى، وهو القيام والقعود ولازمه وهو الاجتهاد والتكاسل، وقيل إنما هي باعتبار المعنى اللازم لهما، فاذا كان ذلك في الأوّل الجذ، والتجلد يكون في الثاني التكاسل، والتهاون بالضرورة والمصنف لم يذكر الثأني اكتفاء بالأوّل وصاحب الكشاف عكس ذلك. قوله :( أو يؤذونها إلخ ) يعني أنّ الإقامة هنا عبارة عن مجرّد الأداء أي فعل الصلاة وايقاعها، كما عبر عنها بالقنوت في قوله وكانت من القانتين أي المصلين إذ القنوت يطلق على القيام في الصلاة، ويسمى السكوت فيها قنوتاً أيضاً كما في قوله :﴿ وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ ﴾ [ مورة البقرة : ٢٣٨ ] والركوع معروف، ويطلق على الصلاة كما في قوله :﴿ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [ البقرة : ٤٣ ] أي صلوا معهم، والسجود كذلك كما في قوله ﴿ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ ﴾ [ الحجر : ٩٨ ] وكذا التسبيح كقوله ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ ﴾ [ الصافات : ١٤٣ ] واطلاق هذا يدل على إطلاق غيره بالطريق الأولى كما سيجيء وقد مرّ أنّ المحقق السعد قال إنه لا يفهم من إقامة الصلاة إلا أداؤها وايقاعها دون غيره من المعاني السابقة ويؤيده عندي تعينه في كثير من الأحاديث الصحيحة كحديث البخاري " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله الأ الله وأنّ
محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم الأ بحق الإسلام " ولا يخفى على ذي لب تعينه فيه.
وفي الكشاف عبر عن الأداء بالإقامة لأنّ القيام بعض أركانها كما عبر عنه بالقنوت إلخ
قال قدّس سرّه تبعاً للشراح إن أراد أنّ القيام يطلق على الصلاة لكونه بعض أركانها ثم يؤخذ منه الإقامة ورد عليه أنّ الهمزة إن جعلت للتعدية، كان معنى إقامة الصلاة جعل الصلاة مصلية، وان جعلت للصيرورة كان معنى أقام صار ذا صلاة، فلا يصح ذكر الصلاة معه إلا أن يجعلها مفعولاً مطلقاً والكل مما لا يرتضيه طبع سليم، وان أراد أنّ القيام لما كان ركناً منها كان فعله، وايجاده أعني الإقامة ركنا لها أيضا توجه عليه أنّ ركنها فعل القيام بمعنى تحصيل هيئة القيام في المصلي حال الصلاة لا بمعنى تحصيلها في الصلاة وجعلها قائمة، فإن قيل لعله أراد أنّ القيام جزء منها فيكون إيجاده أي الإقامة جزءا من إيجاد جميع أجزائها الذي هو أداؤها فعبر عن أدائها بجزئه، قلنا فمعنى يقيمون حينئذ يؤدّون الصلاة ( فيحتاج في ذكر الصلاة معه إلى ارتكاب كونها مفعولأ مطلقا، ولا إشكال في استعمال قنت ونحوه بمعنى صلى إذ لا يذكر معه الصلاة، وفي قوله لوجود التسبيح فيها إشارة إلى أنه ليس ركنا منها فإذا جاز أن يعبر به عن الصلاة، فالتعبير عنها باركانها أولى، وذكر بعضهم أنّ الإقامة تستعمل بمعنى جعل الشيء قائماً في الخارج أي حاصلاً فيه، فإنّ القيام بمعنى الحصول في الخارح شائع الاستعمال، ومنه القيوم وهو الحاصل بنفسه المحصل لغيره، فأقيموا الصلاة من الإقامة بهذا المعنى أي حصلوها وأتوا بها على الوجه المجزيء شرعاً وهو معنى الأداء اهـ. وهذا على أنه مجاز مرسل من إطلاق الجزء على الكل.
( وقد أمعنت النظر )، فرأيت ما ذكروه لا يخلو من الكدر بل فيه عبرة لمن اعتبر، فإنه كله ناشىء من عدم تدبر كلام الشيخين، وتنويره أنهما جعلا الإقامة مجازا، وعبارة عن الأداء، ومعنى يقيم يؤذي لا يصلي حتى يلزم ما لزم، وبينهما


الصفحة التالية
Icon