ج١ص٢٣٢
لتخصيص الذين يؤمنون بمن آمن عن الثرك، لتكون الصفة مقيدة للمتقين، وهو تكلف لا حاجة إليه وبهذا علم أنه لا وجه لما قيل هنا من أنه لا معنى لإخراجهم من المتقين مع اتصافهم بالتقوى إلاً أن يحمل على المشارفين، فيتعين العطف عليه لتعذر الحمل على المشارقة في المعطوف، وكذا ما قيل إنه كان على المصنف رحمه الله أن يؤخر هذا عن الاحتمال الذي بعده لئلا يفصل بين الوجهين المتناسبين بأجنبي، فإنّ الاحتمال من عطف الذين على الذين بتوسيط العطف على المتقين بينهما لا ينبغي، وقد مرّ ما قاله الفاضل المحقق من أنّ العطف على المتقين إنما يصح على تقدير الوصل دون الانقطاع لما يلزمه من الفصل بالأجنبي بين المبتدأ، وهو الذين يؤمنون بالغيب وخبره أعني أولئك أو بين المعطوف والمعطوف عليه بأجنبيّ، وهو الذين يؤمنون بالغيب أيضا، وقد قيل إنّ هذا ليس بممتنع لأنّ المستأنف مرتبط بالمستأنف عنه، فليس بأجنبي من كل الوجوه وفيه نظر. قوله :( ويحتمل أن يراد إلخ ) أشاروا بالتعبير بيحتمل هنا إلى أنّ هذا التفسير غير مأثور وأنه من بنات الأفكار، وأورد عليه قدس سرّه أنّ الإيمان بالكتب المنزلة مندرح في الإيمان بالغيب، وأجاب بأنه للاعتناء بشأنه كأنه العمدة، وأورده هنا بعض أرباب الحواشي، وهو غير ملاق لكلام المصنف رحمه الله لأنه بين عقبه أنّ المراد عنده بالإيمان بالغيب الإيمان بما يدرك بالعقل، كالإيمان بالله وصفات جلاله واليوم الآخر وأحواله، والإيمان بما أنزل إليه وأنزل من قبله الإيمان بما يدرك بالسمع كالكتب، وبما تضمنته فبينهما تغاير باعتبار المفهوم والصفات، لا أنه من قبيل عطف ملائكته وجبريل، وهذا إن لم يرد على الشريف لعدم تصريح الزمخشريّ بما ذكوه يرد على من أورده هنا من أرباب الحواشي والأعيان جمع عين بمعنى الذات أي ما صدقت عليه الأسماء الموصولة في النظم متحد بحسب الذات متغاير بحسب المفهوم والصفات كما سيأتي. قوله :( ووصط العاطف إفي ) جواب عن سؤال مقدّر، وهو أنّ العطف يقتضي المغايرة واتحاد الأعيان ينافيه، وعدد الشواهد إشارة إلى أنه يجري في الأسماء والصفات باعتبار تغاير المفهومات ويكون بالواو والفاء، وثم باعتبار تعاقب الانتقال في الأحوال. وقوله :
( إلى الملك إلخ ) بيت من قصيدة من المتقارب، والقرم بفتح فسكون أصله الفحل، ثم قيل للسيد والهمام العظيم، وإنما تصف العرب به الملوك لعظم هممهم أو لأنهم يفعلون ما يهمون به لما عرف من عزائمهم، والكتيبة بالتاء المثناة الفوقية الجيش، والمزدحم موضع الازدحام وهو التدافع لضيق المجلس بكثرة من فيه، ومنه استعير ازدحام الغرماء على المال والمراد به هنا المعركة. قوله :( يا لهف إلخ ) هو من شعر لابن زيابة التيمي أجاب به عن شعر قاله الحارث بن همام بن مرّة بن ذهل بن شيبان وهو :
أيا ابن زيابة إن تلقني لاتلقني في النعم العازب
وتلقني يشتد بي أجرد مستقدم البركة كالراكب
( فاجابه بقوله ) :
يا لهف زيابة للحارث الصابح فالغانم فالآيب
والله لولا لاقيته خالياً لآب سيفانا مع الغالب
أنا ابن زيابة إن تدعني آتك واللعن على الكاذب
والعازب البعيد في المرعى، والنعم الإبل أي تلقني حاضرا، وهذا تعريض له بأنه راعي
الإبل لا سيد في قومه والأجرد الفرس القصير الشعر، وهو ممدوح في الخيل والبركة، بكسر الموحدة وسكون الراء المهملة بمعنى الصدر هنا، وزيابة اسم أبي الشاعر وقيل اسم أمّه كما في شروح إلحماسة، وما قيل من أنّ قول الطيبي أنه اسم أبي الشاعر وهم هو الوهم أي يا حسرة أبي أو أمي من أجل ذلك الرجل، والصابح بالباء الموحدة المغير صباحاً ويكون بمعنى الآتي صباحاً كالمصبح يتأسف على أنه فعل ذلك وهو غائب، فيقول : ليتني أدركته أو أنه قدّر ذلك في نفسه، ويجوز أن يكون تهكما، وسيفاناً تثنية سيف مضافا للمتكلم مع الغير، وقوله مع الغالب التفات أي معي، أو هو من الكلام الصصمى بالأسلوب النصف أي يقتل أحدنا صاحبه، فيرجع