ج١ص٢٣٣
كذلك كما قاله التبريزيّ، ولما كانت الغنيمة تعقب الغارة والإياب يعقبها عطف بالفاء، وإن كان موصوفها واحداً. قوله :( على معنى إلخ ) متعلق بقوله وسط وعداه بعلى إلى ما وقع التوسط عليه من الوجه المخصوص به، كما يقال بنيت الدار على طبقتين، فيعدّى بعلى لأسلوبه الخاص كما حققه الفاضل الدواني في حواشي الشمسية في تعدّي الترتيب بعلى، وهو بيان لأنّ التغاير بحسب المفهوم والصفات، وأنّ الجمع المستفاد من العاطف واقع بين معاني الصفات المفهومة من المتعاطفين، وهي في المعطوف عليه التصديق بالغيب مع الإتيان
باماراته، وفي المعطوف التصديق بما أنزل إليه وإلى من قبله. وقوله :( جملة ) أي مجملاً، وهو منصوب بنزع الخافض أو على الحالية، وخصه بهذا لأنه كما مرّ الإيمان بالله وصفاته والآخرة وأحوالها، وذلك لا يمكن الوقوف على كنهه وتفصيله. وقوله :( والإتيان إلخ ) مجرور معطوف على الإيمان والضمير في يصدّقه راجع إليه، فأثبت التغاير بينهما بعد تغاير مفهوميهما بوجهين.
الأوّل : أنّ الإيمان بالأوّل إجمالي وبالثاني تفصيلي.
والثاني : أنّ الأوّل عقل والثاني نقل والمصدّق العبادات البدنية والمالية المفهومة من قوله :﴿ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ ﴾ إلخ فإن قلت : الإتيان بهذا المصدق فرع الإتيان بما لا طريق إليه غير السمع، لأنه يعلم بالوحي والكتب المنزلة، فعلى هذا ينبغي أن يقدّم الإيمان المنزلين على الإتيان بالصلاة والزكاة، قلت الإيمان بالغيب أهم وأعظم، ولخفائه احتياجه للمصدّق أقوى، ولذا جعله بعضهم داخلاً في الإيمان، وينبغي اتصاله به. وقوله :( غير السمع ) قيل : إنه أتى فيه بالحصر، ولم يأت به فيما قبله لأنّ ما قبله يجوز أن يدرك بالسمع أيضاً بخلاف هذا، فإته لا يدرك ابتداء بغير السمع، وفيه أنه قد يدرك بالعقل فيعرف أنه كلام الله بالإعجاز المدرك بالعقل والذوق فتأمّل. قوله :( وكرّر الموصول إلخ ) جوأب عما يقال كان يكفي فيما ذكر عطف الصلات بعضها على بعض وهو ظاهر، وأمّ إعادة الموصل فيما أنزل فغير محتاح للتوجيه، لما فيه من التغاير الحقيقيّ، فلا يرد عليه أنه يحتاج أيضاً إلى نكتة كما قيل : والمراد بالقبيلين قسما الإيمان المذكوران في النظم والسبيلين طريقا الإدراك من العقل والنقل، ووجه دلالة إعادة الموصول على ذلك ما فيه من الإشارة إلى استقلال كل من الوصفين وتنزيل تغاير الوصفين منزلة تغاير الذاتين، وفائدة العطف ما مرّ من معنى الجمع، وقال قدس سرّه : رجح هذا الاحتمال على الأوّل بأنّ الإيمان بالمنزلين مثترك بين المؤمنين قاطبة، فلا وجه لتخصيصه بمؤمني أهل الكتاب، ولا دلالة للأفراد بالذكر في الآية على أنّ الإيمان بكل منهما بطريق الاستقلال ألا ترى إلى قوله تعالى ﴿ قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [ البقرة : ١٣٦ ] ﷺ فقد أفرد فيه الكتب المنزلة من قبل، ولم يقتض الإيمان بها على الانفراد وبأنّ ما ذكر في تقديم بالآخرة، وبناء يوقنون على هم إنما يقع موقعه إذا عمّ المؤمنين، وإلاً أوهم نفيه عن الطائفة الأولى، فإنّ أهل الكتاب لم يكونوا مؤمنين بجميع ما أنزل من قبل، فإنّ اليهود لم يؤمنوا بالإنجيل، وما يقال : من أنّ اشتمال إيمانهم على كل وحي إنما هو بالنظر إلى جميعهم، فاليهود اشتمل إيمانهم على القرآن والتوراة والنصارى اشتمل إيمانهم على القرآن والإنجيل مردود بأنّ المفهوم المتبادر من استعمال ما نحن فيه ثبوت الحكم لكل واحد، وبأنّ الصفات السابقة ثابتة لمن آمن من أهل الكتاب، فتخصيصها بمن عداهم تحكم وجعل الكلام من قبيل عطف الخاص على العامّ لا يلائم المقام، وقد يرجح الاحتمال
الأوّل بأنّ الأصل في العطف التغاير بالذات، ويجاب بأنّ هناك تفصيلاً هو أنّ أداة العطف إن توسطت بين الذوات اقتضت تغايرها بالذات، وان توسطت بين الصفات اقتضت تغايرها بحسب المفهومات وكذا الحكم في التأكيد والبدل ونحوهما، وان وقعت فيما يحتملهما على سواء كان الحمل على التغاير بالذات أولى، فلا يحكم في مثل زيد عالم وعاقل فأن الحمل على تغاير الذات أظهر، وقد رجح في الآية الكريمة الحمل على عطف الصفة بأن وضع الذين على أن يكون صفة، فالظاهر عطفه على الموصول الأوّل على أنه صفة أخرى للمتقين بلا تقسيم مع أنّ ما تقدم من وجوه الترجيح شاهد له ( أقول ) المتبادر من السياق استقلال كل منهما لا سيما في مقام المدح، لأنهم يؤتون أجرهم مرتين كما مرّ