ج١ص٢٣٨
تعبير المحمول والموضوع أيضا وما نقل هنا من أنه قال بناء يوقنون دون تقديم هم لأنّ التقديم يكون عن تاخير واعتباره ليس بلازم هنا نقض للبناء لأنه لو لم يقدر ذلك لم يفد الحصر المدّعي. وقوله :( بمن عداهم إلخ ) توطئة لما عطف عليه، وهو المقصود على نهج أعجبني زيد وكرمه وفيه لف ونشر مرتب لأنّ قوله غير مطابق ناظر إلى تقديم الصلة وقوله ولا صادر ناظر إلى بناء يوقنون وجوّز بعضهم فيه أن يكون نشرا على خلاف الترتيب. قوله :( واليقين إتقان العلم إلخ ) قيل عليه : إنّ المذكور في كتب الأصولط، والكلام أنّ اليقين متناول للضروري فإنهم عرّفوا اليقين بالاعتقاد الجازم الثابت بحيث لا يزول بتشكيك مشكك المطابق للواقع وهو يشمله، ويكفي في الإتقان عدم تطرق الشك والشبهة، ولذا لم يعتبر صاحب الكشاف غيره إلا أنّ المف مرين اختلفوا فيه فذهب الإمام الرازي والواحدي وجماعة وتبعهم المصنف رحمه الله إلى أنه ما يكون عن نظر واستدلال فلا يوصف به الضروري ولا علم الله تعالى، وذهب الإمام النسفي وبعض الأئمة إلى خلافه وقالوا : هو العلم الذي لا يحتمل النقيض مطلقاً.
وقال الإمام القشيري في كتاب مقامات الصوفية : اليقين علم لا يتداخل صاحبه ريب على
مطلق العرف، ولا يطلق في وصف الحق سبحانه وتعالى لعدم التوقيف اهـ.
( أقول ) إذا كان فيه طريقان ومذهبان، فكيف يعترض على إحدى الطريقتين بالأخرى وعدم إطلاقه على الله على الأوّل ظاهر، وعلى الثاني لعدم التوقيف كما سمعته، وأمّا
الضروري فقد قال الإمام : لا يقال بيقين إنّ الكل أعظم من الجزء وذكره قدّس سرّه من غير نكر، والمراد بالضروري البديهي الأوّلي فإنه قد يفسر به كما في شرح المطالع وإن كان الضروري يعمّ جميع اليقينيات وهي الحدسيات والمتواترات والمحسوسات الظاهرية والباطنية، كالتجربيات والأوّليات، وهي قضايا مجرّد تصوّر طرفيها كاف في الجزم بنسبتها، والمراد بنفي الشك والشبهة بالاستدلال أن يكون قابلاً لذلك في حال من الأحوال، ولا يلزم كون ذلك بالفعل، أو دائما فيدخل بعض المشاهدات إذ قد يرد عليها الشك، فعين اليقين عين ما كان متيقنا فسقط ما مرّ من أنهم فسروا اليقين بالاعتقاد الجازم إلخ مما يشمل الضروري والمصنف رحمه الله غيم عبارة الكشاف، فوقع فيما وقع إلاً أن يقال له معنيان وقد أيد هذا بأنه صرّح به في الإحياء حيث قال : اليقين مشترك بين معنيين.
الأول عدم الشك، فيطلق على كل ما لا شك فيه سواء حصل بنظر أو حس أو غريزة
عقل أو بتواتر كوجود مكة أو دليل، وهذا لا يتفاوت قوّة وضعفاً.
الثاني وهو ما صرّح به الفقهاء والصوفية وكثير من العلماء، وهو ما لا ينظر فيه إلى التجويز والشك بل إلى غلبته على القلب حتى يقال فلان ضعيف اليقين بالموت، وقويّ اليقين بإثبات الرزق، فكل ما غلب على القلب، واستولى عليه فهو يقين وتفاوت هذا قوّة وضعفا ظاهر، ومما قيل عليه أيضاً إنه مناف لما ذكره في تفسير قوله تعالى ﴿ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ﴾ [ التكاثر : ٧ ] أي الرؤية التي هي نفس اليقين، فإنّ علم المشاهدة أعلى مراتب اليقين فجعل المشاهد المحسوس يقينا وهو من الضروريّ، فناقض نفسه وليس بوارد أما على القول الآخر فظاهر، وأما على ما اختاره هنا فيدفع أيضاً بأنّ الشيء قبل رؤيته يكون يقينا، فإذا شوهد وصاو ضرورياً انتقل إلى مرتبة من العلم أعلى من الأولى والمعلوم شيء واحد أحواله متعدّدة، كأحوال الآخرة في الدنيا والآخرة غايته أنّ في قوله أعلى مراتب اليقين تسمحاً على أنه بمعنى أعلى من جميع مراتب اليقين، كيوسف أحسن اخوته وظق الفرق بين اليقين والإيقان وهم.
قال الجوهريّ رحمه الله : اليقين والعلم وزوال الشك يقال منه يقنت الأمر بالكسر يقنا وأيقنت واستيقنت وتيقنت كلها بمعنى، وما ذكوه المصنف رحمه الله مطابق له ولما في الكشاف فتدبر. قوله :( والآخرة تأنيث الآخر ) أي الآخرة تأنيث آخر اسم فاعل من أخر الثلاثي بمعنى تأخر وإن لم يستعمل ويسمع من العرب كما أنّ الآخر بفتح الخاء اسم تفضيل منه، والآخرة صفة في الأصل كالدنيا، فإنها فعلى صفة أيضاً من الدنوّ وهو القرب فغلبت على ما يقابل الآخرة قال الزمخشريّ : الغلبة تكون في الأسماء كالبيت على الكعبة والكتاب وفي الصفات كالرحمن، وفي المعاني كالخوض بمعنى مطلق الشروع غلب على الشروع في الباطل
خاصة، وقد قرق بين ما غلب من الصفات على موصوف معين