ج١ص٢٣٩
لكثرة جريه عليه وبذلك خرح عن الوصفية في الجملة كأسماء المكان والزمان لأنّ أصل الصفة أدط توضع لمعنى قام بذات غير معينة وبين ما جرى مجرى الأسماء، كالأجرع والأبطح بحذف الموصوف وعدم جريه عليه حتى يتيادر منه الذات، فضاهى الأسماء الجامدة، ومنها ما اشتدت غلبته حتى الحق بالأعلام، وما لم يصر علماً قد يلمح أصله، فيوصف به وقد يترك كما يقال : الدار الآخرة والحياة الدنيا، إلاً أنه قليل كذا قرّره قدّس سره تيعاً لغيره فيه، وقال الرضى : الغلبة تخصيص اللفظ ببعض ما وضح له فلا يخرح بها عن مطلق الوصف بل عن الوصف العامّ، فلا يطلق على كل ما وضع له، ولا يتبع الموصوف، فلا يقال فيد أدهم وفي حواشيه للشريف السرّ فيه أنّ خصوصية الموصوف صارت بالغلبة داخلة في مفهوم الوصف مع ملاحظة اتصافه بمفهوم المشتق منه، فلا يصح إجراؤه على غيره ولا على عيته أيضاً إذ- يصير معنى أدهم قيد فيه دهمة، وهذا منه يقمفمي امتناع إجرائمه على الموصوف، وما مرّ عنه يقتضي جوازه فبين كلامية تعارض ولذا اعترض به عليه، وأجيب بأن ما هنا هو الواقع في نفس الأمر وأما ثمة فلعدم الاعتداد بالناثر وتنزيله منزلة العدم فلا تعارض، وهو تلفيق بارد والحق أنه لا تعارض رأساً فإنّ المذكور هنا غلبة الوصفية وثمة غلبة الاسمية والفرق بينهما ظاهر، والأدهم من القبيل الثاني لأنه يسيحمله من لا يخطر بباله معنى الدهمة أصلاً فلا يجري إلاً على خلاف الأصل بضرب من التأويل كرجل أسد. قوله :( فغلبت كالدنيا ) غلبت بفتح اللام وتخفيفها، والدنيا حقيقتها ما على الأرض من الهواء والجوّ، وقيل كل المخلوقات من الجواهر والأعراض مما قبل قيام الساعة، وهو الراجح وتطلق على أجزائها مجازا، وهي صفة من الدنوّ أي القرب لسبقها الأخرى أو لقربها من الزوال " وكونها صفة للدار ليس بلازم فقد وصف بها النشأة أيضا كقوله تعالى ﴿ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ﴾ [ العنكبوت : ٢٠ ] وقد تضاف الدار لها، كقوله تعالى ﴿ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ ﴾ [ يوسف : ١٠٩ ] أي دار الحياة الآخرة، وقد تقابل الآخرة بالأولى كقوله ﴿ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ ﴾ [ القصص : ٧٠ ]. قوله :( وعن نافع إلخ ) التخفيف هنا نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها، واسقاطها وهو نوع من أنواع تضيفد الفمزة المفردة، وهو لغة لبعض العرب اختص بروايته ورش بشروطه كما في كتب القراءات، ونقله السفاقسي هنا، فنقل المصنف له عن نافع فيه مخالفة، إلاً أن يقال أنه ظفر بروايته عنه، ثم أنّ الواو إذا ضمت ضمة غير عارضة، كما فصل في العربية يجوز باطراد إبدالها همزة كما قيل في وجوه جمع أجوه وأما إبدال الواو هنا همزة فلمجاورتها للمضموم أعطيت حكمه وهو من أحكام الجوار كما قيل :
قد يؤخذ الجار بظلم الجار
على ما فصله ابن جني في كتاب الخصائص، واستشهد له بما ذكر من البيت، ومحل الشاهد فيه المؤقدان ومؤسسي، فإنهما رويا بالهمزة كما صرّح به ابن جني، والبيت من قصيدة طويلة من الوافر لجرير مدح بها هشام بن عبد الملك أوّلها :
عفا النسران بعدك فالوحيد ~ ولا يبقى لجدّته جديد
( ومنها ) :
نظرنا نار جعدة هل نراها ~ علاها بعد ضوء أم همود
لحمب المؤقدان إليّ مؤسى ~ وجعدة إذا أضاءهما الوقود
( ومنها ) :
تعرّضت الهموم لنا فقالت ~ جعادة أيّ مرتحل تريد
فقلت لها الخليفة غير شك هو المهديّ والحكم الرشيد
( ومنها ) :
هشام الملك والحكم المصفى ~ يطيب إذا نزلت به الصعيد
يعم على البرية منك فضل ~ وتطرف من مخافتك الأسود
وإن أهل الضلالة خالفوكم ~ أصابهم كما لقيت ثمود
وأمّا من أطاعكم فيرضى ~ وذو الأضغان يخضع مستفيد
والقول بأنّ الشعر لأبي. حية النميري غلط نشأ من إنّ هذه القراءة معزوّة له، وموسى وجعدة ابناه، والشاهد فيه في موضعين كما مرّ واللام في قوله لدبئ لام القسم وحب فعل ماض أصله حبب بزنة كرم فادغم، ويجوز فيه نقل ضمة العين إلى الفاء، فتكون الحاء مضمومة، ويجوز إبقاؤها على الأصل من الفتح، وقد روي


الصفحة التالية
Icon