ج١ص٢٤٠
بالوجهين هذا البيت وغيره كما في كتب العربية، وهو من أفعال المدح بمعنى ما أحبه وهو جامد في حكم نعم، ولذا لم يؤت بقد بعد لام القسم والنار نار القري أو السفر قيل : والأولى أولى لأنها التي يمدح بها وكنى بإضاءة الوقود عن الاشتهار والوقود بضم الواو مصدر وبالفتح ما يوقد، وقد رويا هنا، ومؤسي وجعدة عطفا بيان، أو، بدل من المؤدين المثنى الواقع فاعلاَ لحب كذا قالوا، والظاهر أن مؤسي هنا هو المخصوص بالمدح وإعرابه معروف، وإذ أضاءهما بدل من مؤسي وجعدة أيضا كقوله تعالى ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ ﴾ [ مريم : ١٦ ]. قوله :( الجملة في محل الرفع إلخ ) أولئك مبتدأ خبره الجار والمجرور، وهذه الجملة إمّا مستأنفة وإمّا خبر عن الذين الأوّل أو الثاني، وجؤز أن يكون أولئك وحده خبرا وعلى هدى حال وأن يكون أولئك بدلاً من الذين والظرف خبر وأولئك اسم إشارة يمدّ ويقصر، ويزاد في رسمه الواو وللفرق بينه وبين إليك الجار والمجرور، وكلام المصنف رحمه الله ظاهر غنيّ عن الشرح، وقيده بالفصل لأنه
على الوصل ليس بمبتدأ كما مرّ. وفوله :( خبر له ) خبر بعد خبر عن لفظ الجملة، وعدل عن قول الزمخشريّ ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾ إلخ إلى قوله أحد الموصولين إشارة إلى منا فيه من الإهمال، وإن اعتذر له بأنه اقتصر على الأقوى، وأشار إلى الوجه الآخر فيما بعده لأنه أخصر وأفيد، ولا وجه لما قيل من أنّ قول المصئف وكأنه إلخ إنما ينتظم على غير مسلكه كما لا يخفى وهذا أيضاً وإن كان علم بما مرّ الآ أنه ذكر توطئة لما بعده من تحقيق الاستئناف وأحد الموصولين وإن شمل الأوّل بدون الثاني كعكسه، لكنه لما كان فصل الأوّل يستلزم فصل الثاني بحسب الظاهر، إذ لا يقطع المعطوف عليه دون المعطوف تركه لظهوره لأنّ القرينة العقلية قائمة على المراد مع ما فيه من الإشارة إلى أنّ الفصل أولاً، وبالذات إنما يعلق بأحد الموصولين، والثاني منفصل بتبعيته وفي التعبير بالموصول لطف كما مرّ. قوله :( وكأنه لما قيل ) عبر بكأنّ إشارة إلى أنه أمر فرض غير محقق أي لما خصهم بالهدى فقط، أو بالهدى والإيمان بالغيب، كما تدلّ عليه اللام الجارة نشأ منه سؤال هو ما بالهم إلخ. فأجيب بقوله الذين إلخ أي جيء بما له استحقوا أن يلطف بهم ويخصوا بالتكريم العاجل والآجل لأنهم استحقوا ذلك لعقائدهم وأعمالهم، فالسبب تلك الأوصاف، ولا يخفى عليك أنّ قول المصنف خصوا بذلك مبهم، فالمراد به هداية أهل التقوى أو هداية المتقين المؤمنين بالغيب، وكذا قوله ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ ﴾ إلخ محتمل للموصولين، وللثاني فقط لعدم ذكره لصلة يؤمنون، فأجمله ليشمل ما أشار إليه من الوجهين، وإن اقتصر على الموصوف في قوله كأنه لما قيل هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ لأنه العمدة في منشأ السؤال خصوصاً إذا كان الوصف مؤكدا، فلا يرد عليه ما توهم أنّ مدعاه شامل لوجهين وما ذكره قاصر على جعل الذين يؤمنون بالغيب فقط مبتدأ فيحتاج إلى أن يعتذر له بما قيل من أنّ في جعل الذين الثاني مبتدأ تكلفاً لا يرتضيه المحققون، ولذلك أخره الزمخشبريّ وأشار في تقريره إلى أنه مجرّد احتمال والمصنف أدخله في صدر كلامه للإيجاز إشارة إلى جوازه، وتركه في التفصيل والبيان إيماء إلى أنه غير مقبول عنده لأنّ الموصول الثاني إن اتحد بالأوّل حينثذ بحسب الذات فحقه أن يجري على ما جرى عليه الأوّل، فإن قطع وجعل مبتدأ، فإن لم يجعل الاختصاص الحاصل من تعلق الحكم بالوصف الذي يتضمنه المبتدأ تعريضاً بما ذكره، فقد قطع عن حقه وضيعت فائدة الاسنئناف أيضاً بلا داع مع تكراره، وإن جعل تعريضاً به كان فائدة مطلوبة يرتكب لها خلاف الظاهر، والوجه فيه أنه لما عبر عن المؤمنين بأنهم جامعون في الإيمان بين المنزلتين قابلهم بهذا الاعتبار من انفرد بأحدهما، وهم كفار أهل الكتاب، فعرّض بأنّ ظنهم أنهم على الهدى ظن كاذب، وطمعهم في نيل الفلاح تخيل فارغ، ومعنى الكلام إنّ الكتاب هدى للذين آمنوا به، والذين لم يؤمنوا به ليسوا على هدى وإن ظنوه ولا فلاح وإن طمعوا فيه، فالجملنان بحسب المعنى، وإن تقابلنا في إثبات الإيمان وسلبه وتوافقتا في الظرف ليسا على حذ يحسن العطف بينهما، فإنّ الأولى في وصف
الكتاب بكمال الهداية للمؤمنين، والثانية لسلب الاهتداء عن طائفة أخرى لم يؤمنوا به، وقيل المعنى على التعريض أنّ الكتاب