ج١ص٢٤١
هدى للمتقين وليس هدى لمن عداهم، فالجملتان متناسبتان غاية التناسب، وفيه أنّ سلب كونه ليس هدى لغيرهم ليس صفة كمال له، فلا يناسب ما مرّ من أوصافه الفاضلة التي يشدّ بعضها بعضاً بخلاف سلب الاهتداء عمن لم يؤمن به لما فيه من الإشارة إلى كماله، وإن اختلف الموصولان بالذات كان الأولى بالثاني أن يعطف على الأوّل تقسيماً للمتقين، فإن جعل مبتدأ بلا تعريض فقد ترك الأولى بلا سبب، وفات أيضاً نكتة السؤال المقدّر وكان التخصيص المستفاد من المعطوف منافياً في الظاهر لما استفيد من المعطوف عليه، وإن قصد التعريض كان أظهر، ولم يكن التخصيص قي المعطوف مقصودا بل وسيلة إلى التعريض، ويتعين أن يكون بالقياس إلى المعرّض بهم والحال في العطف، كما سلف وجعل الواو اعتراضية خلاف الظاهر، وهذا زبدة ما حققه شراح الكشاف وارتضوه.
( وفيه بحث ا لما سيأتي مما يأباه ولأنه إذا عطف على أوّل الكلام من قوله ألم إلخ على
أنه من الأوّل إلى هنا في وصف الكتاب، وكماله والمعطوف عليه في صفة من آمن به، وبما فيه من حيازة خير الدارين كما إذا قلت هذا كتاب السلطان والذي يمتثل في الخير والأمان، فإنّ المناسبة بين الرسالة والمرسل إليه إن لم تكن تامّة، فليست بخفية وإنما جاء هذا من جعله معطوفاً على صفات الكتاب وما بعده بأن يعطف على جملة ﴿ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ كما صرّحوا به، وأمّ قول العلامة في هذا الوجه : إنه يجعل اختصاصهم بالهدى والفلاح تعريضا باهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بنبوّته عليه الصلاة والسلام، وهم ظانون أنهم على الهدى طامعون في نيل الفلاح فقد يقال إنه لدفع التكرار بين هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ وعلى هدى لا تأويل له بجعله من صفات الكتاب، ولو سلم فليس ما-له أنه ليس هاديا لهم حتى يلزم أنها ليست بصفة كمال بل إنّ معناه لا ينالون هدى وفلاحاً بدونه وإن قرءوا الكتب السالفة، ومحصله أنه لا نافع سواه، وكونها صفة كمال أظهر من أن يخفى وأمّا جعله من عطف القصة من غير ملاحظة خصوصية، فيأباه أنّ الأنسب حينئذ عطف إنّ الذين كفروا عليه كما في ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾ [ ألانفطار : ١٣-١٤ ] كما في الكشف. قوله :( ما بالهاً خصوا بذلك إلخ ) البال يكون بمعنى القلب والخاطر والشأن والحال، والمراد الأخير وما استفهامية خبر أو مبتدأ، وبالهم خبر أو مبتدأ أي ما الحال والثأن الذي خصصهم فجملة خصوا مفسرة أو عطف بيالط، أو بدل من البال أو حال وذكر الفاضل في سورة آل عمران أنها حال لا غير وأنها لا يجوز اقترانها بالواو لأنه لم يسمع كما في قوله :
ما بال عينك منها الكحل ينسكب
واعترض على الزمخشريّ في قوله ما باله وهو امن، ويرده قول جرير :
ما بال جهلك بعد الحلم والدين ~ وقد علاك مشيب حين لاحين
وسيأتي منا تحقيقه إن شاء الله إذا اقتضاه الحال، وخصوا مبني للمجهول وأبهم قوله
بذلك لما مرّ.
وقال قدس سرّه أي ما بالهم مختصين بذلك، وهل هم أحقاء به فمآل السؤال إلى أنهم
هل يستحقون ما أثبت لهم من الاختصاص، والجواب مشتمل على هذا الحكم المطلوب مع تلخيص موجبه، وقد ضمّ فبه إلى الهدى نتيجته تقوية للمحبالغة التي تضمنها تنكيره كأنه قيل : هم مستحقون للاختصاص والسبب فيه تلك الأوصاف التي رتب عليها الحكم، فاستغنى عن تأكيد النسبة ببيان علتها، وقد يقال المقصود من السؤال هو السبب فقط أي ما سبب اختصاصهم، واستحقاقهم إلاً أنه بين في الجواب مرتباً عليه مسببه، فإنّ ذلك أوصل إلى معرفة السبب، فلا حاجة أصلاً إلى تأكيد الجملة، وربما قيل قصد به مجموع الأمرين أي هل هم أحقاء بذلك وما السبب فيه حتى يكونوا كذلك، وقال في شرح المفتاح : فإن قلت إذا قدر السؤال هكذا ما للمتقين اختصوا أو ما بالهم اختصوا كان معناه أيّ أسباب تأخذت في شأنهم حتى استحقوا تلك الهداية، واختصوا بها فكان سؤالاً عن السبب، فلا يطابقه الجواب إذ لا دلالة له على السبب قلت : الكلام السابق مشتمل على تفصيل السبب إلا أنّ السامع لم يتنبه له، فنبه عليه إجمالاً باسم الإشارة الدالة على ذوات المتقين باعتبار تميزهم بتلك الصفات حتى صاروا كالمحسوس، واليه أشار بقوله وأجيب إلخ وأورد عليه أنّ بين كلاميه تعارضاً، فإنه جعل هذه العبارة في شرح المفتاح سؤالاً عن


الصفحة التالية
Icon