ج١ص٢٤٣
كقوله :
قال لي كيف أنت قلت عليل سهر دائم وحزن طويل
فإن قلت : الإعادة باسم الإشارة من أيّ قبيل أمن هذا النوع قلت : الظاهر إنه من قبيل
الإعادة بالصفة لأنه إشارة إلى الموصوف بالصفات لا إلى نفس الذات، فالاستئناف ههنا سواء وقع على الذين أو على أولئك وارد على الوجه الأحسن، لكن الثاني لا يزيد على إعادة الدعوى، وودّه المدقق وقال : أراد أنه جواب عن سؤال اسنحقاقه لما نسب إليه، فإذا قيل أحسنت إلى زيد اتجه أن يقال : هل هو حقيق بذلك فإن أجيب بذكر اسمه فقد ترك تأكيد الجملة على خلاف مقتض الظاهر، وإن أجيب بذكر صفته أفاد الحكم المطلوب مع بيان سببه القائم مقام تكيده، وليس ما مرّ بشيء لأنه إذا فيل ما سبب الإحسان إليه، واستحقافه إياه كان ذلك طلباً لتصوير سبب مخصوص بعد العلم بأن هناك سبباً في الجملة، فلا يصح في جوابه زيد حقيق بالإحسان إذ لا يفهم منه سبب مخصوص أصلاً، وقد يتوهم أنه على الثاني من إعادة الاسم ولذلك كان مرجوحاً ويدفعه قوله فأجيب إلخ، وقوله وفي اسم الإشارة إلخ، وقال في حواشي المطوّل : إنه كلام مختل فإن الحكما المثبت لزيد في المثال المذكور هو إحسان المخاطب إليه، وليس يقدّر هنا سؤال من المخاطب عن سبب إحسانه كيف وهو أعلم من غيره
باسباب أفعاله الاختيارية نعم يتصوّر ذلك إذا نسي، أو أراد أن يمتحن غيره هل يعرف ذلك، لكنه عما نحن فيه بمراحل، فالصواب تقدير هل هو حقيق بالإحسان.
( أقول ) هذا تتحير فيه البصيرة التقادة، فإنّ ما ذكره قدس سرّه من الإيراد وارد عليه بعينه،
لأنّ ما ارتضى تقديره إن كان من المخاطب بأحسنت أعني المحسن ورد عليه ما أورده وردّت
بضاعته إليه، فيحتاج إلى ادّعاء النسيان أو قصد الامتحان، وإن كان من سامع غيرهما صح
أيضأ قصذه فيما ذكره الفاضل، وهو لماذا أحسن إليه على أن يكون أحسن ماضياً مجهولاً لا
مضارعا معلوماً، وقد جوّز. هو فيه فادّعاء أنه غير صحيح غير صحيح كما لا يخفى، وقول
بعض الفضلاء ربما يتكفف في دفع ما أورده الشريف، ويقال يجوز أن يكون السائل هو السامع
لا المخاطب، فيكون الاستئناف جوابا لسؤاله حينئذ لا وجه له، وأمّ اذعاء أنه تكلف فكأنه نشأ
من الخطاب في قوله صديقك إذ هذا يقتضي ترك الخطاب، وأن يقال صديقه ونحوه، ويوجه
بأنّ السؤال لعدم التصريح به لم ينظر إليه وطبق آخر. على أوّله، وقد أورد مثله بعض
المتأخرين على الالتفات في سورة الفاتحة ومرّ ما فيه، ثم إنّ ما أورده قدّس سرّه هنا مندفع
أيضماً بأنّ السؤال عن سبب الإحسان لا الاستحقاق والإحسان، فلا شك في أنّ كونه حقيقاً به
سبب معين من أسبابه غاية الأمر أنّ هذا السبب له سبب، ولا ضرر فيه على أنّ لك أن تقول إنّ
قوله أحسنت إلى زيد لم يقصد به فائدة الخبر لأنه من لغو القول بل لازمها وهو علمه بذلك،
فالسؤال المقدّر من المخاطب سؤال عن علمه، ومعرفتة أيضاً من غير نسيان ولا امتحان كما لا يخفى على الفطرة السليمة، أو يقال إنّ هذا السؤال يلوح به عرض الكلام من غير نظر لسائل معين، والنظر لمثله تكلف يجرّ تكلفات أخرى ألا ترى أنّ ما في هذه الآية الكريمة لا يصح أن يقدّر السؤال فيها من رب الكلام، وهو الله مسبب الأسباب العالم بسائر الخفيات ولا من الملقى إ ايه الكلام أوّلاً، وهو النيّ عليه الصلاة والسلام، والمؤمنون لعلمهم بأنه لا يسأل عما يفعله مع ظهور ذلك عندهم، ومن عداهم لا يسلم الهداية من أصلها فلا يسئل عن سببها، ولذا لم يعرج عليه المفسرون فتدبر ترشد. قوله :( فإنّ اسم الإشارة ههنا الخ ) في الكشاف وفي اسم الإشارة الذي هو أولئك إيذان بأن ما يرد عقيبه فالمذكورون قبله أهل لاكتسابه من أجل الخصال التي عدّدت لها كما قال حاتم :
ولله صعلوك مناه وهمه
ثم عدد له خصالاً فاضلة، ثم عقب تعديدها بقوله :
فذلك إن يهلك فحسنى ثناؤه وإن عامى لم يقعد ضعيفاً مذمماً
قال قدّس سرّه تبعاً للشارح المحقق : قد توهم أنّ الإيذان المذكور مختص بما إذا وقع الاستئناف على أولئك، والصواب أنه جار على الأوجه الثلاثة، وذلك أنّ أسماء الإشارة حقها أن يشار يها إلى محسوس مشاهد، أو إلى ما ينزل منزلته في تميزه وظهوره، ولما كانت الصفات المجراة على المتقين مميزة لهم جاعلة إياهم