ج١ص٢٤٤
كانهم حاضرون مشاهدون وضع أولئك موضمع الضمير إشارة إليهم من حيث أنهم موصوفون بها، كأنه قيل : أولئك المتميزون بتلك الصفات، فيكون الكلام من ترتب الحكم على الأوصاف المنامبة، ومفيدا للعلية بخلاف الضمير، فإنه راجع إلى الذات وليس فيه ملاحظة أوصافها، فإن قلت قد تقدّم منك في قوله ليكون الخطاب أدل على أنّ العبادة له لذلك التميز ما يدل على أن في الضمير إيذاناً في الجملة، وسياق الكلام هنا ينافيه قلت : إذا حمل التنوين في إيذاناً على التعظيم زالت المنافاة اهـ. وفي شرحه للمفتاح أنّ من اللطائف الداعية لأن يورد اسم الإشارة التنبيه على أنّ المشار إليه إنما استحق ما ذكر بعده لأجل الصفات السابقة إلاً أنه من إخراج الكلام لا على مقتضى الظاهر، وقد قيل عليه أنه من لطائف كون المسند إليه اسم الإشارة لا من اللطائف الداعية إليه لأنّ الإيذان المذكور يحصل بالموصول أيضاً، ولذا لم يعدّه السكاكي من الدواعي وذكر في المثال المذكور داعياً آخر يعني كمال العناية بتمييزه وتعيينه لما اف ف به من المحامد هذا زبدة ما ذكروه.
وفيه بحث كا وجوه
( الأول ) إنّ ما ادّعوه من أنه جار على الأوجه الثلانة، وتخصيصه توهم غير ظاهر، لأنه
على وجهي الابتداء بالموصول الذي هو معنى الوصف المفيد للعلية، كما صرّحوا به لا وجه حينئذ للعدول إلى اسم الإشارة لأجل ذلك لسبق ما يفيده ولا يقتضي التأكيد فيتعين أنه لكمال العناية به كما في المفتاح، فما عدّوه توهماً هو النظر السديد.
( الثاني ) أنّ سؤاله قدّس سرّه وجوابه ليس بقويّ لأنّ ما مرّ في الفاتحة من العدول إلى الخطاب لا إلى الضمير مطلقا وفي أولئك خطاب أيضاً فتأمّل.
( الثالث ) أن ما أورد عليه مدفوع بما ذكر في حالة الإضافة من أنّ الداعي إليها أن لا يكون إلى إحضاره طريق سواها أصلاً أو طرق سواها أخصر، واسم الإشارة أخصر من الموصول فترجيحه ظاهر على أنّ ما ذكر ليس بوارد رأساً فتدبر. قوله. ( كإعادة الموصوف بصفاته إلخ ) الجار والمجرور أعني ض له بصفاته متعلق بإعادة لا بالموصوف أي إعادة المستأنف عنه المذكور أولاً بواسطة صفاته الدالة عليه ضمناً، وهذه العبارة أخصر وأحسن من قوله في الكشاف بإعادة اسم من استؤنف عنه الحديث، أو إعادة صفته لما يرد عليه من أنّ الصفة لم تذكر أوّلاً حتى تعاد وإن اعتذر له بأنه أراد به إعادة ذكر من استؤنف عنه الحديث باسمه أو بصفته إذ هو مشاكلة، ومن لم يتنبه لهذا قال بعدما ذكر قسمي الاستئناف، ومثل لما يجيء بإعادته بصفته بأحسنت إلى زيد الكريم الفاضل ذلك الموصوف بتلك الصفات حقيق بالإحسان معترضاً على المصئف إنّ مثاله لا يناسب الممثل له، فالمناسب له أن يمثل بما؟كر. قوله :( لما فيه ) أي لما في الاستئناف بإعادة الصفة الدال عليها اسم الإشارة من البيان لمقتضى الحكبم، وهو الوصف المناسب المشعر بالعلية لترتب الحكم عليه. وقوله :( وتلخيصه ) بالجرّ معطوف على بيان، والتلخيص هما بمعنى الاختصار لأنّ اسم الإشارة أخصر من تلك الصفات لو أعيدت. وقوله :( الموجب له ) أي المقتضي لاستحقاقه تفضلاَ منه، كما قال تعالى ﴿ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [ طه : ٥٠ ] وهذا لا كلام فيه إنما الكلام في الإيجاب عليه تعالى بمعنى لحوق الذمّ الذي ذهب إليه المعتزلة، وليس بمراد. قوله :( ومعنى الاستعلاء إلخ ) الاستعارة فى الحرف بتبعية متعلقة وهو المعنى الكلي الشامل له كما حققوه، فلذا قال : معنى الاستعلاء دون معنى على والتمثيل ضرب المثل والإتيان بمثال، ومطلق التشبيه والمركب منه، وهذا ظاهر لا نزاع فيه وإنما النزاع في الاستعارة التبعية هل تكون تمثيلية أم لا، فذهب الفاضل المحقق إلى جوازه متمسكاً بما صرح به العلامة في مواضع من كشافه كما صرّح به هنا، وقد سبقه إليه الطيبي وقال : إنه مسلك الشيخين الزمخشريّ والسكاكي، ولم يرتضه المدقق في الكشف، وأوّل ما في عباراتهم، وتبعه فيه السيد وشنع على الفاضل حتى كأنه أبو عذرته وهي
المعركة العظمى التي عقدت لها المجالس وصنفت الرسائل مما هو أشهر من قفا نبك.
قال قدس سرّه بعدما ذكر قول الزمخشريّ : ومعنى الاستعلاء في قوله على هدى مثل لتمكنهم من الهدى، واستقرارهم عليه وتمسكهم به شبهت حالهم بحال من اعتلى الشيء وركبه إلخ يريد أنه استعارة تبعية شبه فيها تمسك المتقين بالهدى باستعلاء الراكب على مركوبه في التمكن والاستقرار، فاستعير له الحرف الموضوع


الصفحة التالية
Icon