ج١ص٢٤٥
للاستعلاء، وقوله مثل أي تصوير فإن المقصود من الاستعارة تصوير المشبه بصورة المشبه به إبرازا لوجه الشبه بصورته في المشبه به، ثم إنه قدم تصوير وجه الشبه أعني التمكن والاستقرار على تصوير المشبه الذي هو التمسك، لأنه المقصود الأصلي بالقياس إليه، ومن الناس من زعم أنّ الاستعارة في على تبعية تمثيلية، وانّ كونها تبعية لجريانها في متعلق معنى الحرف، وكونها تمثيلية لكون كل من طرفي التشبيه حالة منتزعة من عدة أمور، فورد عليه إنّ انتزاع كل من طرفيه من عدة أمور يستلزم تركيبه من معان متعددة، ومن البين أنّ متعلق كلمة على، وهو الاستعلاء معنى مفرد كالضرب، فلا يكون مشبها له في تشبيه تركب طرفاه، وإن ضم إليه معنى آخر وجعل المجموع مشبها له لم يكن معنى الاستعلاء مشبهاً به في هذا التشبيه، فكيف يسري التشبيه والاستعارة إلى معنى الحرف، والحاصل إن استعارة على استعارة تبعية تستلزم كون الاستعلاء مشبها به، وتركب الطرفين يستلزم أن لا يكون مشبهاً به، فلا يجتمعان وقد أجيب لأنّ انتزاع كل من طرفيه من عدة أمور لا يوجب تركبه بل يقتضي تعددا في مأخذه وردّ بأنّ المشبه مثلا إذا كان منتزعا من أشياء متعددة، فلا يخلو من أن ينتزع بتمامه من كل واحد منها وهو باطل، فإنه إذا أخذ كذلك من واحد منها كان أخذه مرّة ثانية من آخر لغوا وتحصيلاً للحاصل، أو ينتزع من كل واحد منها بعض منه فيكون ضرورة مركبا أو لا يكون لا هذا ولا ذاك، وهو أيضا باطل إذ لا معنى حينئذ لانتزاعه من تلك الأمور المتعددة على أنه صرح بخلافه في قوله تعالى ﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً ﴾ [ البقرة : ١٧ ] وهو لا يشتبه على ذي مسكة.
( واعلم ) أنّ على هدى محتمل لثلاثة وجوه :
( الأوّل ) لثيه تمسكهم بالهدى باعتلاء الراكب.
( الثاني ) تشبيه هيئة منتزعة من المتقى والهدى وتمسكه به بهيئة منتزعة من الراكب والمركوب، واعتلائه عليه فتكون تمثيلية تركب كل من طرفيها لكن لم يصرح من الألفاظ التي
بإزاء المشبه به إلا بكلمة على فإنّ مدلولها هو العمدة في تلك الهيئة، وما عداه تابع له ملاحظ في ضمن ألفاظ منوية، وأن لم يقدر في نظم الكلام وبينهما فرق، فليس في على استعارة أصلاً بل هي على حالها لو صرّح بتلك الألفاظ.
( الثالث ) أن يشبه الهدى بالمركوب فعلى قرينة التخييلية هذا زبدة ما ارتضاه، ومن
الفضلاء من ردّه وانتصر للسعد سعد جدّه فقال : هو ممنوع أمّا المقدمة الثانية، فإنّ الاستعلاء المطلق متعلق لمعنى مطلق كلمة على لكن خصوصياتها متعلقات خاصة مثلاً هنا استعلاء الراكب على المركوب استعلاء ملتبس بوجه التمكن والاستقرار، وذلك لأنّ متعلق معنى الحرف ما يرجع إليه بنوع استلزام، وقد يعبر عن ذلك المعنى في العرف به وهذا الاستعلاء الخاص لازم لمعنى على هنا لزوم العامّ للخاص ويجوز تفسيره بذلك عرفاً، ولا شك أنّ المشبه به هنا ليس مطلق الاستعلاء بل الاستعلاء الخاص، فإن قيل إنه مقيد لا مركب قيل نعم لكن في حواشي المطوّل له ردّ كون الترشيح خارجا عن الاستعارة بواسطة كون المستعار مقيدا به بدون تركيب، لأنه إذا كان المشبه به هو المقيد من حيث هو مقيد، فلا بدّ أن يستعار منه ما يدلّ عليه من حيث هو كذلك فلا تتض تلك الاستعارة بدون ذلك القيد، فلا يكون متعلق معنى الحرف مدلولاً بلفظ مفرد وكذا معنى الحرف نفسه لا يدلّ عليه بلفظ مفرد وإن كان معنى واحدا مقيدا بقيود غاية الأمر أن يكون الموضوع بإزائه لفظا مفردا، والحاصل أنّ معنى الحرف في أدائه يحتاج إلى ألفاظ متعددة كالمعنى المركب إلا أنّ المقصود الأصلي فيه تشبيه المقيد دون القيد وفي المركب المجموع، وأمّا المقدّمة الأولى، فهو أنّ مبنى التمثيل هنا على تشبيه الحالة المنتزعة من أمور متعددة بمثلها، ومعنى انتزاعها حصولها منها عند وجودها على وجه اللزوم وقيامها بها، ولا يخفى أنه يجوز أن يكون شيء بتمامه منتزعا من مجموع قائماً به بدون التركيب والتكرار وبلا قيام بكل جزء كالنقطة في الخط، والإضافة في محلها عند القائل بوجودهما، وكذا جميع الأعراض التي لا تسري في محالها : كما حقق فالكلام، فعلى هذا يجوز أن تسري الاستعارة التمثيلية في معنى الحرف المفرد بهذا الوجه وينتزع منه الأمور المتعدّدة كما مرّ، فإنّ معنى على هنا نسبة بين الراكب والمركوب على وجه الاستقرار قائمة بينهما مسببة عنهما