ج١ص٢٤٦
ولا يضره أنه لم يلاحظ الأمور المتعددة قصداً بألفاظ كثيرة، أو التفصيل والتركيب في المأخذ لا في نفسه وما ذكروه من أنّ الوجه مركب في التمثيل، فباعتبار المأخذ، وعلى هذا يحمل ما قيل إنه لا معنى للتشبيه المركب إلاً أن ينتزع كيفية من أمور متعدّدة، فتشبه بكيفية أخرى مثلها نعم لا تجري الاستعارة التمثيلية بالمعنى المشهور في الحرف، فإنها في مجموع الكلام المركب من ألفاظ متعددة مفصلة بلا تصرّف في الأجزاء كما في أراك تقدم رجلاَ، وتؤخر أخرى إذ يراد بمجموعه أراك متردّدا في أمر كذا، وقد اعترف بذلك جدي والحاصل أنه يجري في الحرف التمثيل بمعنى انتزاع الحالة من الأمور المتعددة ولا يجري فيه معنى التشبيه في المفصل المركب قصدا على أنه ينبغي أن يعلم أنّ معنى الاستعارة التمثيلية بالمعنى المشهور في الآية بعيد غير ظاهر، فإنه لا يقصد بها تشبيه حال المجموع بل تشبيه التمسك بالهدى بتلبس الراكب بالمركوب في استقراره عليه، وأيضاً لا وجه لاعتبار ألفاظ المشبه به في هذا التركيب بعد دخول على على الهدى وجعله خبراً عن أولئك المشار به
للمتقين مع أنّ الهدى، وأولئك من أجزاء المشبه، فإن قلت : قد يطوى ذكر المشبه في التشبيه، كما يطوى في الاستعارة بحيث لا يكون في حكم المذكور، ولا يحتاج إلى تقديره في النظم إلاً أنه يكون منسياً في الاستعارة منويا في التشبيه كما في قوله تعالى ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ ﴾ [ فاطر : ٢ ا ] الآية فإنّ البحرين مستعملان في معناهما الحقيقيّ، وقد أريد تشبيه الإسلام والكفر بهما، ولا يقدر اللفظ إلاً في مجرّد الإرادة فكذا بالنسبة إلى المشبه به في الاستعارة، قلت الفرق ظاهر فإنّ التشبيه قد يكون ضمنياً مكنياً كما في قوله :
فإن تفق الأنام وأنت منهم
إلخ إذ مجموعه مفيد لتشبيه المخاطب إ، لمسك في الانفراد عن بني جنسه فقوله ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ ﴾ إلخ أيضا مفيد للتشبيه غاية الأمر أنّ اعتبار لفظ المشبه فيهما يغير نظم الكلام بخلاف قوله ﴿ أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى ﴾ فإنّ المجموع ليس كناية عن الاستعارة، ووجود أجزاء المشبه فيه ينافي اعتبار ألفاظ الاستعارة، فإنّ التشبيه ينسى فيها أصلا، وبالجملة لا وجه لدخول على على الهدى وأيضاً الاستعارة مجاز أي كلمة مستعملة في غير معناها لعلاقة التشبيه، وإذا لم تذكر ألفاظها ولم تقدّر يبعد اعتبار التجوّز ( بقي هنا إشكال ) على اعتبار الاستعارة التمثيلية في المركب مطلقاً، فإنّ المقصود فيه التشبيه بين الحالتين المنتزعتين من الأمور المتعدّدة الواقعة في الطرفين ولم يظهر وضع أمر بإزاء حالة، حتى يصرف عنها إلى أخرى بعلاقة التشبيه، وبالجملة لا يظهر في تلك إلاستعارة ما يتصرف فيه بالتجوّز وأمّا الهيئة التركيبية فموضوعة بإزاء الإثبات أو النفي، وظاهر أنه لم يقصد التشبيه فيها، فلا تجوز فيه إذا عرفت ما تلونا. عليك، وهو زبدة ما في هذا المقام فالذي يخطر بالبال بعد طيّ شقة القيل والقال، إنّ الخلاف بينهم في حرف واحد إذ لا خلاف في أنّ التمثيل التفصيليّ المعروف يستدعي تركب الطرفين حقيقة وإنّ التمثيل الآخر الذي هو محل النزاع هل يشترط فيه التركيب بعد الاتفاق على أنه لا يلزم التصريح بأجزائه لفظاً ولا تقديرا، فذهب الشريف إلى أنه يشترط فيه أن تكون أجزاؤه مرادة منوية، فلا يكون ما اقتصر عليه من الحرف، ونحوه مما هو عمدة المعنى المجازي مستعملا في معنى مجازي بل حقيقة والأكان مجازا مفردا لا تمثيلاً. أو لا يشترط فيه ذلك بل يكفي تركب المأخذ المنتزع منه ذلك، ويكون الحرف المذكور مع ما يدلّ عليه بالالتزام من طرفي التشبيه، وما يتممها متجوّزا فيه، وإلا لم يصح دخول على على الهدى كما مشى عليه السعد ومن مشى على جادّته، فالنزاع كاللفظيّ وأمّا الإشكال الذي أورده ولم يجب بم ضه فقد استصعبه بعض المتأخرين، فيدفعه أنّ اللفظ المركب له هيئة ومادّة دالة على معنى مجموع مركب موجود في الخارج ومجموع المادّة والهيئة موضوع له بالوضعالنوعي أو بأوضاع مفرداته على الخلاف المعروف فيه، وهو المتصرف فيه لا الهيئة فقط، ولا المفردات وسنحققه في محله إن شاء الله نعم يرد على ما مرّ من أنّ الاستعلاء الخاص المقيد تمثيل أنه لو اقتضى ذلك لم يكن لنا
استعارة تبعية أصلاَ لاستلزامها لهذا التركيب، والمراد بالاستعلاء العلو لا طلبه، وهي قد اشتهرت بهذا المعنى وتمكنهم بمعنى ثباتهم ودوامهم، فعطف الاستقرار عليه لتفسيره وتوضيحه. قوله ة ( بحال من اعتلى


الصفحة التالية
Icon