ج١ص٢٤٧
الشيء إلخ ) فيه تسمح والأصل تمثيل حالهم في تمكنهم، واستقرارهم بحال من اعتلى إلخ إن قلنا : إنّ التمثيل بمعناه المشهور أو تمثيل تمكنهم بالاعتلاء على المركوب إن كان التمثيل بمعنى مطلق التشبيه، فالاستعارة تبعية على ما أسلفناه، ووجه الشبه إيصاله إلى المقصد الاً عظم في الدارين. قوله :( وقد صرحوا به إلخ ) أي صرّحوا بالتمثيل، فإنه استعارة لم يصرح فيها به وان كانت مبنية عليه، أو المراد صرّح فيه بالمركوب المرموز إليه في التبعية لأنّ معنى امتطى ركب كما سيأتي، وقال قذس سرّه : إنه لما ذكر استعارة على للتمسك بالهدى رام منه تشبيه الهدى ونظائره بالمركوب، وقد يتبادر إلى الوهم أنه استعارة، فأزاله بأنّ هذا التشبيه فيما ذكرناه ضمني غير مقصود من الكلام، وقد صرّحوا به وجعلوه مقصوداً في مواضع أخرى وعدل عن قوله في الكشف، وفيه إشارة إلى أنّ التشبيه هنالك ضمني لأنّ الاستعلاء لازم الحرف لا نفس معناه لما فيه من الخفاء كما لا يخفى. قوله :( امتطى الجهل وغوى ) هذا هو الصحيح وغوى فيه فعل ماض كنوى بمعنى ضل وفي بعض النسخ، والغوى معرفا بالألف واللام، وكأنها تحريف لأق الغوي كالهوى فساد الجوف فجعله بمعنى الغواية وان كان له وجه تكلف، والجهل هنا بمعنى البغي والتجاوز، وهو أصله الشائع في كلام الفصحاء قال :
ألالايجهلن أحدعلينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
وورد أيضا فيما يقابل العلم كما هو المستعمل، والتصريح بما ذكر إتا في صورة التشبيه كقولهم : جعل الغواية مركبا، فإنه في قوّة قولك الغواية مركب، أي كالمركب وإمّا في صورة الاستعارة كقولهم اقتعد غارب الهوى إذ شبه فيه الهوى بالمطية على طريقة الاستعارة المكنية، وخيل بإثبات الغارب ورشح بذكر الاقتعاد، فإنه من اقتعد بمعنى ركب، وهو في الأصل افتعال من القعود، والغارب له كما في كتب اللغة معان ما بين السنام، والعنق ومنه استعير حبلك على غاربك ومقدم السنام، وما يعلوه راكب البعير من مطلق الظهر، وهو المراد المناسب هنا فمن فسره بما قبله وقال : إنّ فيه إشارة إلى إشراف مرتكب الهوى على السقوط لم يصب، وأنا قولهم امتطى الجهل، فإن جعل بمنزلة قولك ركب مطا الجهل كان استعارة بالكناية، وان جعل في قوّة قولك اتخذ الجهل مطية كان تشبيها، وأياً ما كان فثبيه الجهل بالمطية مقصود منه كما في قوله :
إنّ الشباب مطية الجهل
وذلك إنما يحصل باسنفراغ الفكر، وادامة النظر فيما نصب من الحجج؟ والمواظبة
على محاسبة النفس في العمل، ونكر هدى للتعظيم، فكأت أريد به خير لا يبلغ كنهه، ولا
في رواية وهو المراد بكونه مصرحا به، وقيل : امتطى استعارة تبعية شبه اتصافه بالجهل، واستقراره عليه بامتطاء المطية، واستعير لفظ المشبه به للمشبه، فسرت الاستعارة إلى الفعل وذكر المفعول قرينة لها- وفيه بحث إذ لا فرق حينئذ بينه وبين قوله ﴿ عَلَى هُدًى ﴾ في أن تشبيه الهدى والجهل ليس مقصوداً فيهما، فكيف يجعل مصرّحا به ة ب أحدهما دون الآخر، ولا يخفى أنّ دلالة الفعل على الحدث، وهو الركوب والإمتطاء ليست كالحرف فتدبر، وفي الكشف عدّ امتطىء الجهل تشبيهاً خطأ بين سواء كان معناه ركب مطاه فيكون كغارب الهوى، وقد سلم فيه الاستعارة، أو اتخذه مطية فيكون نظير قوله :
قتل البخل وأحيا السماحا
نعم لو ذكر ترجمته كان تشبيها ومنه أتى على من أتى وقد نوّر هذا بأنّ معنى امتطى الجهل اتخذه مطية على سبيل الحقيقة دون التشبيه، فلا بد من الاستعارة إذ لا يمكن تقدير ا لأد اة.
نعم إذا ذكرت الترجمة يمكن جعله تشبيهاً والتصريح بحسب الأصل لا يقتضي القصد بل مجرّد الظهور دون استبعاد ولا شك في أنّ تشبيهه الجهل بالمركب في هذا المثال أظهر من تشبيه الهدى به بحيث لا يخفى على أحد سواء اعتبر فيه الاستعارة بالكناية أو التبعية أو التشبيه بل نقول اسم الإشارة في قوله : صرّحوا بذلك إشارة إلى تشبيه حال المهتدي بحال الراكب، فإنّ ذلك خفيّ يحتاج إلى النظر والتوضيح :
وقدبقيت يا صاح في النفس حاجة لعل بفضل الله يوما أقضيها
قوله ( وذلك إنما يحصل إلخ ) إشارة إلى التمكن والاستقرار المار أي لا يحصل إلا بتكميل القوّتين النظرية والعلمية، فاستفراغ الفكر، وادإمة النظر إشارة إلى الأولى ومحاسبة النفس إلخ إشارة إلى الثانية، وفي قوله استفراغ إيماء إلى تشبيه الذهن بقليب يستقى منه، وتشبيه ما يفيده بماء عذب ومحاسبة


الصفحة التالية
Icon