ج١ص٢٥٣
إنك في قولك زيد منطلق وزيد المنطلق تثبيت فعل الانطلاق لزيد لكته في الأوّل لم يسمع السامع أنه كان وفي الثاني سسه، ولكنه لم يعلمه لزيد فإذا بلغك أنه كان من إنسان انطلاق مخصوص وجوّزت أن يكون من زيد ثم قيل زيد المنطلق انقلب الجواز وجوبا بحصوله منه، فإذا قصد تاكيده قيل زيد هو النطلق وإذا قيل المنطلق زيد، فالمعنى أنك رأيت منطلقاً لم تعلم أزيد هو أم عمرو فيقال لك المنطلق زيد أي ما تراه من بعيد هو زيد وهكذا ما نحن فيه، فإنك عرفت المتقين وبلغك أنّ قوما مفلحون في الآخرة وجوّزت كونهم المتقين فطلبت الحكم عليه بالفلاح، وهذا مراد الزمخشريّ بعبارته السالمه نجأفى يبهون معنى من هو أزيد هو وافراده بالذكر لما يقتضي الاهتصام به، ولما كان ظاهره أنّ معناه أزيد التائب أم عمرو إلخ ورد عليه الاعتراض فأن المناسب التائب زيد لأنك عرفت أنّ إنساناً قد تاب، وطلبت الحكم عليه بأنه زيد أو غيره، فمقتضى تلك الضابطة أنك إذا عرفت التائب، وقلت من هو كان معناه أزيد التائب أم عمرو إلخ، فالترديد إنما هو في الخصوصيات والمطلوب الحكم حمبى التائب بواحدة منها، كما ذكره الثخ في المنطلق زيد فلا يصح حينئذ زيد التائب بل التائب زيد فظهر فساد الجواب بأنّ الضمير للتائب كما مرّ، فإنه لا يدفع الاعتراض لعدم مطابقته للضابطة المقرّرة قيل : وبهذا ظهر ما في كلام الشارحين من الاختلال وتبين التوفيق بين كلامي الشيخ فإنّ كل مقام ر " مقال ( أقول ) هذا جملة ما يعتد به مما وقع هنا من القيل والقال ( وها أنا بأذل ) لك جهد المقول مما بقي فيه فأقول راجيا من الله القبول المطابقة المتفق عليها هي جعل مطلوب المخاطب محكوما به ومحط الفائدة، وهي كما قاله الشيخ والسكاكي إنما تخفى إذا تعرّف إلطرفان والجملة اسمية لأنه إدّا نكر أحدهما يكون هو الخبر إذ هو من شأنه أن يكون غير معلوم، فإذا تعرّفا كان معلوما بطريق من طرق التعريف ليصح التعريف والاً عرف حينئذ محكوم عليه والمعروف من وجه المجهول من وجه محكوم به لأنه لو عرف من كل و. جه لم يطلب، فإذا بلغك أنّ قوما معينين من أهل بلدة أو محلة انطلؤ / منهم واحد وأنت تعلمهم بمشخصاتهم، وتعلم السنطلق بوجه مّا وتجهله من غير ذلك الوجه تعين في جواب من المنطلق زيد المنطلق ولا يصح عكسه، ولو شاهدت من بعيد شخصاً منطلقاً، ولمم تعرفه بذاته ومشخصاته وقلت من المنطلق كنت عارفا بالمنطلق. بمشاهدته، والمجهول لك ما يشخصه، فتعين حينئذ المنطلق زيد وهذا مرادهم كما ستسمعه في الدلائل فقوله في الكشاف : إذا بلغك أنّ شخصا قد تاب إلخ إشارة إلى ما يصحح تعريفه وهو كونه معلوما بوجه لا من كل الوجوه حتى يتعين أنه مبتدأ كما توهموه، فإنه فرية بلا مرية ومن هنا نثا الاعتراض، وليس هذا مبنيا على إعراب من مبتدأ أو خبراً لأنّ من شاهد المنطلق إذا قال : من المنطلق، فمطلوبه ما
يشخصه، فحق المنطلق أن يكون مبتدأ ومن خبره، وأنما عكسه سيبوبه لأنه يراه ملتزم التقديم، والمسؤول عنه أهم بالذكر وادّعاء التقديم عن تأخير خلاف الظاهر مع أنه فكرة، والكلام ليس فيه وجملته إنشائية لا خبرية حتى يلاحظ فيه الملقى إليه الخبر، فليس مما نحن فيه، وليس الاختلاف فيه مبنيا على هذا قطعاً، فلا حاجة إلى تكلف ادّعاء أنه مبتدا لأنه معرفة تأويلاَ لأنه في معنى أزيد أم عمرو إلخ مع أنه لا يتم لأنّ التأويل المذكور لا يتأتى في أفعل التفضيل، وكم في نحوكم مالك لأنها في معنى أمائة أم ألف أم أكثر، فقول السعد هنا إنّ المناسب حينثذ التائب زيد إلخ مردود بما مرّ من أنّ قوله بلغك إلخ مصحح لتعريف التائب، وجعله معهودا كما أشار إليه بقوله الذي أخبرت بتوبته، ولا يقتضي أن لا يكون مجهولاً ومطلوبا من وجه، فما ذكر ليس بشيء، وقوله قدس سرّه : حتى زعم إلخ ردّ له كما فصله وهو وارد عليه كما يعلم مما قدمناه، وقول الشارح الفاضل : أورد الشيخ عبد القاهر في دلائل الإعجاز كلاما يؤيد أوّله كلام المصنف، وآخره كلام المعترض ليس بشيء، فإنهما متفقان وهو غفلة عما حققوه، وعبارة الدلائل إنك في قولك زبد منطلق وزيد المنطلق تثبت فعل الانطلاق لزيد لكنك تثبت في الأوّل فعلاً لم يسمع السامع من أصله أنه كان وفي الثاني فعلاً قد علم السامع أنه كان، ولكن لم يعلمه لزيد فإذا بلغك أنه كان من إنسان انطلاق مخصوص وجوّزت أن يكون ذلك من زيد، ثم فيل لك زيد المنطلق انقلب ذلك الجواز وجوابا وزال الشك، وحصل القطع بأنه كان من زيد اهـ. يعني أنّ المخاطب لما علم زيداً بمشخصاته وبلغه أنّ إنسانا انطلق كان المنطلق حاضرا في ذهنه فيصح أن يعرف بالتعريف العهدي، ولكنه لما لم يتعين كان مطلوبا لتردده فيه فتعين جعله خبراً، لكونه هو المجهول عنده من وجه بخلاف الصورة الآتية، وهذا بعينه ما في الكشاف، إلا أنّ المعتر ضومن سلم اعتراضه لم يهتد لتطبيقه، ثم قال الشيخ : وإذا قيل : المنطلق زيد فالمعنى على أنك رأيت إنسانا منطلقا بالبعد منك، فلم يثبت ولم تعلم أزيد هو أم عمرو فقال : لك صاحبك المنطلق زيد أي هذا الشخصى الذي تراه من بعد هو زيد، وقد تشاهد لابس ديباج وقد كنت تعرفه فنسيته، فيقال لك اللابس الديباج صاحبك الذي كان معك في وقت كذا، فيكون الغرض إثبات أنه ذلك الشخص المعهود لا إثبات لبس الديباج لأنه شاهده يعني أنك لما شاهدت انطلاقه ولبسه الديباج كان اللابس والمنطلق محسوسا عندك لا تردّد فيه، ولا تطلبه وإنما تطلب تشخيصه، وتعيينه فتعين جعله مبتدأ وزيدا خبراً بخلاف ما مرّ من عكسه لأنّ زيدا محسور أو بمنزلته، والمنطلق لم تعرفه إلا بأنّ ثمة شخصاً صدر منه انطلاق، فأنت لم تشاهده ولم يعينه المخبر عندك، فلذا جعل خبرا فقد وافق أوّل كلامه آخره من غير شبهة، وهو بعينه ما في الكشاف فقد انكشف لك المراد بما لا مزيد عليه، وتبين أنّ ما ارتضاه الشريف المرتضى، وادّعى أنه لا يتزلزل فيه من له رسوخ قدم في علم المعاني غنيّ عن البيان الهادم لما أسسه من البنيان لما عرفت من أنّ المراد أنك شاهدت شخصا منطلقا، ولم
تعرفه بعيته وقلت من هذا المنطلق تعين أن يقال لك المنطلق زيد سواء كان من مبتدأ أو خبراً، فإنك إذا لم تشاهده نأخبرت بأنّ شخصاً من قوم معلومين لك بأعيانهم انطلق فقلت من المنطلق يقال : زيد المنطلق على القولين في باب من لأنّ مبنى الخلاف أمر آخر غير ما توهمو. ، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق هذه المطابقة في محله، فإنه هنا جملة معترضة لا محل لها لم يتعرّض لها شراح الكشاف، وهذا من الحور المقصورات في الخيام التي من بها الملك العلام. قوله :( أو الإشارة إلى ما يعرفه كل أحد إلخ ) في الكشاف أو على أنهم الذين إن حصلت صفة المتقين وتحققوا ما هم، وتصوّروا بصورتهم الحقيقية فهم هم لا يعدون تلك الحقيقة، كما تقول لصاحبك هل عرفت الأسد وما جبل عليه من فرط الإقدام إنّ زيدا هو هو اهـ. وهذا بعينه ما ذكره الشيخ في دلائل الإعجاز فقال اعلم أن للخبر المعرّف بالألف واللام معنى غير ما ذكرت لك وله مسلك دقيق، ولمحة كالسحر يكون التأمّل عندها، كما يقال تعرف دينك وذلك قولك هو البطل الحامي، وهو المتقى المرتجى وأنت لا تقصد شيثا مما تقدّم، فلست تشير إلى معنى قد علم المخاطب أنه كان ولم يعلم ممن كان كما مض في قولك زيد هو المنطلق، ولا تريد أن تقصر معنى عليه على معنى أنه لم يحصل لغيره على الكمال، كما كان في قولك هو الشجاع ولا تقول ظاهر أنه بهذه الصفة كما كان في قوله، ووالدك العبد ولكنك تريد أن تقول لصاحبك هل سمعت بالبطل الحامي، وهل حصل معنى هذه الصفة، وكيف ينبغي أن يكون الرجل حتى يستحق أن يقال ذلك له وفيه، فإن كنت قلته علما وتصوّرته حق تصوّره فعليك صاحبك، واشدد به يدك فهو ضالتك وعنده بغيتك، وطريقه طريق قولك هل سمعت بالأسد وهل تعرف ما هو، فإن كنت تعرفه فزيد هو هو بعينه اهـ المقصود منه، وهذه قصة في شرحها طول، وقد وقع النزاع في مراد الشيخ بين الفاضلين فقال المحقق : السعده نجوّر الله مرقده أطلق الناظرون في الكشاف على أنه يريد بذلك تعريف الجنس، وتعيين الحقيقة المسه ى بالعهد الذهني، ثم منهم من زعم أنه لقصر المبتدأ على الخبر نظرا إلى قوله لا يعدون تلك الحقيقة على عكس ما تحقق، وتقرّر في مثل زيد الأمير وعمرو الشجاع، ومنهم من ذهب إلى أنه لقصر المسند إليه قصر قلب وعلى تقدير العهد قصر إفراد وينبغي أن تعلم أنه إشارة إلى معنى آخر لتعريف الجنس، وقال قدس سرّه :