ج١ص٢٧٩
ذلك وبالفتح في غيره اهـ. وقول الزجاج كل ما اشتمل على شيء مبنيّ على فعالة نحو العمامة والقلادة، وكذا أسماء الصناعات، فانّ الصناعة مشتملة على ما فيها نحو الخياطة والقصارة، وكذلك ما استولى على شيء نحو الخلافة والأمارة يقتضي عدم الفرق بينهما، ونقل عن الراغب أنّ فعالة لما يفعل به ذلك الفعل كاللف في اللفافة، فإن استعملت في غيره فعلى التشبيه كالخلافة والأمارة، وهو يقتضي أنه كالمجرّد من الهاء وهو مخالف لهما والظاهر هو الأوّل.
والفضل للمتقدّم.
وسلمت واو الغشاوة لعدم تطرّفها ولو تطرّفت قلبت همزة كالغشاء وقال أبو عليّ رحمه
الله لم يسمع منها فعل إلاً يائي فالواو مبدلة من الياء وردّ بأنه لا مقتضى للقلب فلعل له مادّتين
وغشى كغطى لفظا ومعنى والعصابة ما يعصب على الرأس ويدار عليها قليلاً فإن زاد فعمامة وهي معروفة. قوله :( ولا ختم ولا تغشية إلخ ) توطئة لبيان المراد واشارة إلى قرينة المجاز العقلية والى ضعف حمله على الحقيقة كما نقله الراغب عن الجبائي من أنه تعالى جعل ختماً على قلوب الكفار ليكون دليلاً للملائكة على كفرهم، فلا يدعون لهم وليس بشيء، لأن هذه الغشاوة إن كانت محسوسة، فمن حقها أن تدركها أصحاب التشريح وإلاً فهم باطلاعهم على اعتقادهم، وأحوالهم مستغنون عنها وسيأتي في كلام المصئف رحمه الله ما يشير إليه، وما قيل من أنه لم يحمل على الحقيقة تحاشياً عن نسبة الظلم والقبيح ليس بشيء لأنه ليس مذهب أهل السنة، وكذا ما قيل إنه لا يرتصوّر في شأنه وحمله على حقيقته غنيّ عن الردّ وما روي عن الحسن من أنّ الكافر إذا بلغ في الغواية غايتها رين في قلبه الكفر وعلم الله منه أنه لا يؤمن فذلك هو الختم دليل على المجاز لا الحقيقة كما توهم وأمّا إسناده بعد التجوّز فحقيقة عند أهل السنة مجاز عند المعتزلة لمنعهم من إسناد القبيح إلى الله تعالى كما نقل مفصلاً عن الكمال القاشاني. قوله :( وإنما المراد بهما أن يحدث في نفوسهم إلخ ا لما لم تصح الحقيقة علم امتناع الكناية أيضاً والكناية المتفرّع عليها المجاز مجاز بحسب نفس الأمر، فبقي أنه مجاز مرسل أو استعارة كما ستراه، والإحداث والإيجاد بمعنى والمراد بالنفوس الذوات المشتملة على الجوارح والمشاعر، والهيئة الصفة والحال التي هم عليها والتمرّن الاعتياد يقال : مرن على الشيء مرونا من باب قعد ومرانة بالفتح إذا اعتاده وداومه وأصله التليين وبسبب متعلق بيحدث، ويجوز تعلفه باستحباب واستقباح وتنازعهما فيه، والغيّ الضلال، والانهماك التوغل واللجاج، وتعاف بمعنى تكره وتنفر ويحدث بضم الياء التحتية وكسر الدال، فهيئة منصوب والمحث هو الله تعالى ويجرز قراءته بفتح التاء الفوقية وضم الدال ورفع هيئة على الفاعلية، وجملة تمرّنهم صفة لهيئة. وقوله :( فتجعل ) بالمثناة الفوقية مرفوع معطوف على قوله تمرّنهم والضمير المستتر فيه للهيئة والإسناد مجازيّ أو بالتحتية، وهو منصوب معطوف على يحدث على الأوّل وفاعله المستتر لله والإسناد حقيقيّ وقوله فتصير ضميره للاسماع والقلوب. وقوله :( وأبصارهم ) معطوف على أسماعهم أو قاوبهم وتجتلي بمعنى تنظر أو بمعنى تراها مجلوّة عليها كالعروس ففيه استعارة مكنية وتخييلية. وقوله :) كأنها ) بدل من قوله لا تجتلي وفي نسخة فتصير كأنها وحيل مجهول بمعنى وقعت الحيلولة. وقوله :( كأنها مستوثق إلخ ) بيان للمناسبة بين ما أريد به ومعناه الحقيقي كما مرّ، وليس هذا معنى مجازيا حتى يكون المراد مجازاً بمرتبتين محتاجا
للتوجيه المشهور، وقد مرّ أنه لا خلاف بين أهل السنة والمعتزلة في المجازية وإنما الخلاف في الإسناد بعد التجوّز.
وقال الإمام الراغب : أجرى الله العادة أنّ الإنسان إذا تناهى في اعتقاد باطل وارتكاب محظور فلا يكون منه تلفت بوجه إلى الحق يورثه ذلك هيئة تمرّنه على استحسان المعاصي، وكأنما يختم بذلك على قلبه وعلى ذلك قوله تعالى ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾ [ النحل : ١٠٨ ] وعلى هذا النحو استعارة الإغفال في قوله ﴿ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا ﴾ [ الكهف : ٢٨ ] واستعارة الكن في قوله ﴿ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً ﴾ [ الأنعام : ٢٥ ] واستعارة القساوة في قوله ﴿ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾ [ المائدة : ١٣ ] اهـ وهو كلام حسن ومنه أخذ المصنف رحمه الله، ثم اعلم أن البزار روى حديثا مرفوعا عن ابن عمر فيه أنّ الطابع معلق بقائمة العرس فإذا عمل العبد بالمعاصي، واجترأ على الله بعث اللّه الطابع فيطبع على قلبه، فلا يعقل بعد ذلك شيئاً فقيل : إنه روي مثله في كثير من الأحاديث فحملها