ج١ص٢٨٠
من لم يتضلع من الحديث على المجاز، والأقوى كما في شرح السنة للبغوي إجراؤها على الحقيقة إذ لا مانع منها والتأويل خلاف الأصل ولا يخفى أنه مذهب الظاهرية والحس والعقل شاهدان للتأويل، فلا يغرّنك كثرة القال والقيل. قوله :( وسماه ) بتذكير الضمير كما في أكثر النسخ، وهو راجع إلى الاحداث أو الحدوث وفي بعض النسخ سماها بتأنيثه والظاهر رجوعه للهيثة، وهي الكيفية والحالة محسوسة كانت أو لا فإمّا أن يكون بتقدير مضاف أي إحداثها أو لا يقدر لما سيأتي من أنّ الهيئة مستعار لها أيضاً في بعضى الوجوه. قوله :( على الاستعارة إلخ ) الاستعارة تستعمل بمعنى المجاز مطلقاً، وبمعنى مجاز علاقته المشابهة مفرداً كان أو مركباً وقد تخص بالمفرد منه، وتقابل بالتمثيل كما في مواضع كثيرة من الكشاف والتمثيل وإن كان مطلق التشبيه غلب على الاستعارة المركبة ولا مشاحة في الاصطلاح، وحاصل ما قرّروه هنا أنّ الختم استعير نن ضرب الخاتم على الأواني ونحوها لأحداث هيئة في القلب والسمع تمنع من خلوص الحق إليهما كما يمنع الختم فهي استعارة محسوس لمعقول بجامع عقليّ هو الاشتمال على مغ القابل عما من حقه أن يقبله ثم اشتق منه الماضي ففيه استعارة تصريحية تبعية، ويلزم من التشبيه الذي تتضمنه هذه الاستعارة تشبيه القلوب والأسماع بالأواني كما في جوامع الكلم بل بالاقماع المقفلة إلاً أنه، ضا تابع لذلك التشبيه لم يقصد ابتداء، فبطل ما توهم من أنّ في القلوب والاسماع مكنية مخيلة بالختم إذ ردّ التبعية في مثله إلى المكنية غير مرضيّ، ومنه تعلم أنّ ما في العبارة من قوله بجعل قلوبهم وأسماعهم كأنها مستوثق منها بالختم لا يدل عليه كما تخيلوه وهو كقولهم في نطقت الحال أنها جعلت لكونها دالة كأنها ناطقة مع أنّ المراد تشبيه دلالتها بالنطق لا تشبيهها بالناطق فهو بيان لحاصل الكلام، ولذا قيل لفظة كأنّ كثيراً ما تستعمل عند عدم الجزم بالشيء من غير قصد إلى تشبيه نحو كأنّ زيداً أخوك، فكنى بها هنا عن عدم
القصد من الفحوى وهو كلام حسن، وكثيرا ما تراه في كلامهم ولفظ الغشاوة استعير من معناه الأصلي لحالة في أبصارهم مقتضية لعدم اجتلاء الآيات والدلائل، فهي استعاوة أصلية مصرّحة من محسوس لمعقول كما مرّ لا تبعية كما سيأني، ودعوى أنّ الأبصار مكنية لا يأباه الحكم بأنّ الختم والتغشية مجاز، وقد عرفت أنه غير مقبول، ويوضحه ما ذكره المدقق في الكشف من أنه إنما يكون إذا اتضح كون التخييل من روادف المسكوت عنه، وكان شائعاً لائحاً تشبيهه بالمستعار منه، كما في نحو ﴿ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ ﴾ [ البقرة : ٢٧ ] وعالم يغترف منه الناس إذ لا فرق بينهما سوى أنّ النقض تمهيد لكون المنقوض حبلاً والاغتراف منه لكونه بحرا، وأنّ لهما مزيد اختصاص بالحبل والبحر وتشبيه العهد والعالم بهما مستفيض لا كتشبيه القلوب بالاً واني، فإنه إنما يؤخذ من إيقاع الختم عليها والمشبه أحداث ذلك والمشبه به ضرب الخاتم وقيل شبه عدم نفوذ الحق في القلوب وتحقيق نبوّ الاسماع عن قبوله بكونها مختوماً عليها ومغطى عليها تثبثا بقوله كأنها مستوثق منها بالختم، واعترض عليه بأنه إذا كان المشبه به المختومية كان استعارة في المصدر المبنيّ للمفعول.
وأجيب فأن مصدر الفعل المتعدّي يشتمل على معنى المصدر المبنيّ للمفعول كما صرّح
به قدّس سرّه في بحث متعلقات الفعل من شرح المفتاح : والمقصود هنا استعارة المختومية لحالة القلوب والاسماع، واظهار المشابه بينهما ويلزم ذلك استعارة خاتميته تعالى بالتبعية فالمستعار لفظ المصدر المبنيّ للفاعل المتعدي، لكن المقصود نسبته إلى المفعول التي هي جزء منه والتشبيه به بل التشبيه يلازم هذا الجزء الذي هو الهيئة والحالة، لكن أداؤه بالفعل لا يمكن إلاً بإحدى النسبتين، فالظاهر حينئذ أن يجعل المشبه الهيئة التي يلزمها عدم نفوذ الحق لكن المقصود ما ذكرنا، وبهذا علم ما وعدته في تأنيث ضمير سماها. قوله :( وتغشية ) قد قدمنا لك أنّ هذه الاستعارة أصلية تصريحية لا تبعية، وقد قيل إنه ظاهر تقرير المصنف والزمخشريّ حيث جعلا المشابهة بين عدم اجتلاء الأبصار والتغشية، وحيث قالا لا ختم ولا تغشية وإليه ذهب الرازي في شرح الكشاف وتابعه بعضهم فيه، وأيده بعض المدققين بأنهم جعلوا الاستعارة تبعية في أسماء الزمان والآلة، وسائر المشتقات