ج١ص٢٨٥
استعارة خاتمية الله إياهما وابراز المناسبة بينهما على طريق القصد، فالمستعار لفظ المصدر المبنيّ للفاعل المتعدي لكن القصد الأصليّ التشبيه بجزء معناه أي النسبة المفعولية لا الفاعلية بل بلازم الجزء أي هيثة المختوم وحالته عند الختم، وأداء هذا المقصود في ضمن الفعل لا يمكن إلا باعتبار الاستعارة في إحدى النسبتين ولا يخفى أنه لا
يقصد أصالة عند أدائه إلى اعتبار الاستعارة ني النسبة الفاعلية بل يكفي في النسبة المفعولية ولا بحد في اعتبار الاستعارة نظراً إلى الجزء كما في استعارة الأفعال باعتبار الزمان أو الحدث دون النسبة فاندفع اعتراضه تدس سرّه.
وأمّا ما قيل في دفعه بأنه تحاصحى العلامة عن تشبيه فعل العبد بفعله تعالى صريحاً وأوجب أن يشبه عدم نفوذ الإيمان في قلوبهم بكون الشيء مجبولاً عليه، فلزم منه تشبيه إحداث العبد الهيئة في نفسه بختم الله فعمل بهذا اللازم، وقيل ختم ولم يعمل بمقتضى صريح التشبيه لأنه لو لم يذكر الفاعل لم يفهم جعل فعل العبد بمنزلة الأمر الخلقي، ولا يخفى اضطرابهم في هذا التوجيه فتعسف لا طائل تحته.
( ومنها ) أنّ قوله : إنّ كون الشيء مختوما عليه مستلزم لعدم النفوذ فيه قيقتضي أن يكون مجازاً مرسلاً وجعله استعارة تعسف لا وجه له، لأنّ اللزوم لا بدّ منه في جميع المجازات ألا ترى أنّ استعارة الطيران لشدة العدو استعارة لا شبهة في حسنها، والجامع بينهما السرعة اللازمة للطيران لزوماً ظاهراً ولم يقل أحد أنه ينبغي أن يكون مجازاً مرسلاَ عن السرعة اللازمة له، وكما في النطق والدلالة على ما بين في المعاني. قوله :( شبه بالوصف الخلقي المجبول صليه ا لم يرد بالتشبيه التشبيه الذي يفاد بنحو الكاف بل الجهة التي راعاها المتكلم حين أعطى الوصف الذي أوجده العبد حكم الخلقي في إسناده إلى الخالق كما تال في دلائل الإعجاز أنّ لشبيه الربغ بالقادر في تعلق وجود الفعل به ليس هو التشبيه الذي يفاد بكأنّ والكاف ونحوهما هانما هو عبارة عن الجهة التي راعاها المتكلم وإذا جاز أن يشبه الفاعل من حيث هو فاعل بالفاعل استلزم أن يشبه فعله بفعله في أمرمّ، وقد ذكر في شرح التلخيص أنّ المجاز الإسنادي ليس بمقصور على ما ذكروه، فأيّ مانع من أن يقصد في الإسناد تشبيه الفعل بالفعل خصوصا إذا تضئن معنى بديعاً، فلو قلت في عدم تحرّك عطيم، وقيامه إلاً إذا غزا فيتحرّك بحركته ما سواه إنما تتحرّك الأرض إذا زلزلت شبهة حركته بحركتها وأسندت ما له إلى محله من غير نظر لتتشبيهه بالأرض، فهنا أيضاً شبه فعل العبد بفعل الله في الثبات والرسوخ، ولم ينظر إلى الفاعل تأدّبا عن تشبيه السيد بعبيده، وإن لزم كما قيل كل ما يصلح للمولى على العبد حرام فبطل ما قيل من أنّ المراد أنه استعارة تبعية شبه إعراضهم عن الحق المانع عن نفوذه بالوصف الخلقي للشيء المانع عما هو مطلوب منه في التمكن والاستقرار، ولم يصرّح بالمشبه بل كنى عنه بالختم المسند إلى اللّه، وهذا مقتضى عبارة الكتاب، وسقط ما قيل : من أنه مضطرب من وجوه.
أمّ أوّلاً فلأنّ المجاز في الإسناد إنما يكون بالإسناد إلى ملابس غير ملابس هوله بتنزيل الملابس منزلة ما هو له ولم يجىء الإسناد لتنزيل الفعل منزلة فعل غير الملابس الذي هو له،
على أن الزمخشريّ جعل هذا الوجه مقابلاَ للوجه الثالث الذي ذكره المصنف وصرّح فيه بأنه إسناد مجازيّ، فلو كان هذا من المب ز الإسنادي كان ذلك لتفصيل ما هنا لتقدّمه.
وأمّا ثانياً فلأنّ إسناد الختم إلبه تعالى إنما يفيد كون الإعراض عن الحق متمكناً في قلوبهم، لو كان كل ما يحدثه الله في العبد خلقياً لازماً له وليس كذلك.
وأمّا ثالثاً فلأنّ إسناد القبيح إليه تعالى، وإن كان مجازا مما لا يقدم عليه عاقل ومجبول بمعنى مطبوع مخلوق من الجبلة بكسرتين وتثقيل اللام وهي الطبيعة والخليقة والغريزة بمعنى، وجبلة الله على كذا فطره فهو مجبول. قوله :( الثاني أنّ المراد به تمثيل حال قلوبها إلخ ) هذا ملخص قوله في الكشاف : ويجوز أن تضرب الجملة كما هي وهي ختم الله على قلوبهم مثلاً كقولهم سال به الوادي إذا هلك، وطارت به العنقاء إذا أطال الغيبة، وليس للوادي ولا للعتقاء عمل في هلاكه، ولا في طول غيبته وإنما هو تمثيل مثلت حاله في هلاكه بحال من سال به الوادي، وفي طول غيبته بحال من طارت به العنقاء، فكذلك مثلت حال قلوبهم فيما كانت عليه من التجافي عن الحق بحال قلوب ختم الله عليها نحو قلوب الاغتام التي هي في خلوها عن الفطن كقلوب البهائم، أو بحال قلوب البهائم أنفسها، أو بحال قلوب مقدر ختم الله عليها


الصفحة التالية
Icon