ج١ص٢٨٦
حتى لا تعي شيئاً ولا تفقه وليس له عز وجل فعل في تجافيها عن الحق ونبوّها عن قبوله، وهو متعال عن ذلك اهـ وفي قوله تضرب الجملة إشارة إلى الفرق بين هذا التهثيل والتمثيلى السابق، وهو أنّ العمدة ثمة والتصرّف في الختم وهنا في مجموع الجملة وتحقيقه أنه لما ذهب إلى أنّ القبائح الصادرة من العباد مخلوقة لهم، ولا يجوز صدورها عنه تعالى بناء على قاعدة الحسن والقبح، فلا يجوز حينئذ أن تنسب-قيقة إلى الله تعالى على زعمهم كما فصل قبولاً وردا في الأصلين وشهرته تغني عن ذكره توجه السؤال على إسناده في الآية، فأجاب أولاً بأنه إنما يمتنع حقيقة، وهو هنا إسناد مجازيّ للدلالة على تنزيله منزلة الجبليّ المطبوع عليه، وثانياً بأنه لو سلم إسناده إليه على الحقيقة فليس الختم فيه بالمعنى السابق حتى يلزم المحذوو على زعمهم إذ المراد به خلقهم على فطرة خالية عن الفطنة غير قابلة لانتقاش صور كثيرة من المدركات كالبله المجاذيب، أو البهائم الغلف ومثله مما ينسب إلى الله بالإتفاق لخلقه الذكيّ والأحمق، والمعتزلة يؤوّلون ما يدل على خلقه تعالى للأفعال بجعلها عبارة عن التوفيق، ومنح الألطاف في الحسن والخذلان ومنعها في ضده، ونحو ذلك من إفاضة الاستعداد وعدمها، ثم شبهت حال هؤلاء في الاعراض عن الحق، والإصرار على عدم النظر والإصغاء له بحال أغتام، أو أنعام ختم الله على مشاعرها بخلقها كذلك، فالختم بمعنى ذلك الختم مجاز لكنه مسند إلى الله حقيقة لصدور ذلك المعنى المجازي عنه ومجموع ختم الله مجاز مركب قد تجوّز في بعض مفرداته، ومثله مشهور لا تكلف فيه، أو شبهت حالهم بحال مخلوق لا نعرفه قد ختم الله على قلبه من غير واسطة بطابع حقيقيّ فالاستعارة تمثيلية لا تجوّز في شيء من مفرداتها إلاً أنّ
المشبه به أمر متخيل لا تحقق له في الخارج، وسيأتي في قوله تعالى :﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [ الأحزاب : ٧٢ ] ومنه ما يحكى عن ألسنة الجماد والحيوان والتمثيل يكون بالأمور المحققة نحو أراك ققدم رجلاً وتؤخر أخرى ويسمى تمثيلاً تحقيقيا وبالأمور المفروضة كما في الآية السابقة، ويسمى تمثيلاً تخييلياً كما فصله العلامة في سورة الزمر، وقال قدّس سرّه : إنّ هذا الجواب تغيير للمدّعي، وهو أق لا يحمل الختم على الاستعارة، ولا على التمثيل المذكور بل على تمثيل آخر يكون وجهاً ثالثاً وهو أن تشبه حال قلوبهم فيما كانت عليه من التجافي، والنبوّ عن الحق بحال قلوب محقق ختم الله عليها كقلوب الاغتام أو البهائم، أو بحال قلوب مقدر ختمه عليها، ثم تستعار الجملة أعني ختم الله على القلوب كما هي بتمام الجملة مع إسنادها من المشبه به للمشبه إمّا على سبيل التمثيل التحقيقي أو التخييلي، فيكون المسند إلى الله سبحانه إسناداً حقيقياً ختم تلك القلوب المحققة، أو المقدرة حتى لا تعي شيئاً ولا قبح فيه أصلاَ سواء كان ختما حقيقياً أو مجازيا، كما هو الظاهر لا ختم قلوب الكفار، لأنّ الإسناد إليه تعالى داخل في المشبه به فلا مدخل له تعالى في تجافي قلوبهم، ونبوّها كما لا مدخل للمتردّد في أراك تقدم رجلاَ، وتؤخر أخرى في تقديم الرجل وتأخيرها إذ كل منهما داخل في المشبه به، وان فرض أنه عبر عنهما أو عن أحدهما بلفظ مجازيّ كالختم إذا حمل على المجاز الذي هو المختار.
( أقول ) ما حققه تبعا لما في الكشف تحقيق حقيق بالقبول إلاً أنّ ما ذكره من تغيير المدّعي أمر سهل، لأنه ليس على حقيقته، لأنه تمثيل، لران اختلف وجه التمثيل، والمعنى متقارب فيهما وإنما غيره ليثبت ما ادّعاه من أنّ الإسناد لا يجري على الحقيقة الظاهرة منه، وقد تحققت مما مرّ أن الختم في الأوّل مجاز، وفي الثاني حقيقة، فلا وجه للتردّد فيه تبعا للكشف، وقد انكشف لك أتم كشف وأمّا ما أورد عليه من أنه خلاف المتبادر من العبارة بل هو استعارة تمثيلية متفرّعة على الاستعارة الأولى فلا بعد فيه لأنه شاع مجاز ا " لمجاز كما عرف تفزع المجاز على الكناية في الوجه الأوّل وبيانه أنّ حقيقة الكلام ضرب الخاتم على الأواني بحيث يمنع الوصول إلى ما فيها، ثم استعير لأحداث الهيئة المعلومة في القلوب، ثم أريد حال قلوب الكفار فيما كانت عليه من النبوّ عن الحق، فالمقصود تشبيه تلك الحال بحال من تلبس بالأحداث المشبه بضرب الخاتم، لا حال من يتصف بضرب الخاتم حقيقة ففيه مبالغة كاملة اهـ. ولا يخفى أنّ ما ادّعى تبادره مع أنه أبعد مما ارتضاه الشريف المرتضى، لا يلاقي عبارة الكتاب ولا يجدي نفعاً فيما قصده من توجيه الإسناد إلى الله تعالى مع أنه لا يسند مثله إليه على زعمهم، لأنّ الأحداث المذكور من