ج١ص٢٨٨
الفاعل، لأنا نقول هذه شهادة نفي لا تسمع، ولو قبلت قلنا إذا شبه الفعل بالفعل لزم منه تشبيه الفاعل بالفاعل، والملابسات لا تنحصركمامرّ.
فلا تظن السراب بحراً
وأيّ بأس في جعل وجهي المجاز الحكمي جوابين، وقد فعل مثله في التمثيل من غير
أن يستبعده أحد من شراحه وما قيل هنا-ت أنه بقي وجه آخر لم يذكر، وهو أن يستعار الختم للأقذار والتمكين من الاعراض الكليّ عن الحق الموجب لعدم نفوذه ووصوله إلى محال القبول تشبيهاً لإعطاء القدرة على ذلك الاعراض السادّ لطرق النفاذ بالختم، وهو من الله لأنّ الأقدار، والتمكين لا يقبح عندنا وعندهم ليس بشيء لأنه يصير المعنى حينئذ أقدرهم الله على الختم ومراده أنه أقدرهم على إحداث الكفر والمعاصي، فإن قيل المعنى أقدرهم على الختم المتجوّز به عن إحداث ذلك فهو تعسف بلا قرينة، ثم إنّ المصنف رحمه الله. أسقط تمثيله في الكشاف بناقة ضبوث وقوله :
إذا ردّعا في القدر من يستعيرها
لأنه غير. ضعين لما مثل له كما في شروحه مع أنّ شهرة المجاز الحكمي تغني عن التمثيل، ولذا أسقط ما فيه من التفصيل، ثم إنّ قوله فعل الشيطان أو الكافر تبع فيه الزمخشريّ، وهو مناف لمذهب المعتزنة، لأنهم قالوا لو لم تكن العباد خالقين لا " فعالهم، لكان
إثابة بعضهم بالإيمان وتعذيب بعضهم بالكفر قبيحاً والله تعالى منزه عن فعله، فالظاهر أنّ إحداث ما يمنع عن قبول الحق من نفس العبد لكنه نقل عنهم أنّ الإضلال، والإغواء من فعل الشيطان كما نقله الحفيد فتنبه. قوله :( الرابع أق أعراقهم إلخ ) الذي يظهر بعد إمعان النظر أنّ المراد بهذا أنه لما ذكر في الآية السابقة كفرهم، وغلوّهم فيه بحيث لا تنجع فيهم الآيات والنذر ونحوه مما يقتضي الإعراض عن الحق، وعدم قبول الإيمان علم منه أنه لم يبق طريق إلى إيمانهم غير القصر والإلجاء إليه، وهو مناف للتكليف فدل السياق والسباق على أنه شبه ترك الإلجاء والقسر بختم وطبع، فرضي على مشاعرهم لأنّ الختم يمغ من الوصول إلى ما ختم عليه والنفوذ فيه، وفي الإلجاء للإيمان رفع للمانع عنه، وفي تركه إبقاء له وابقاء المانع من القادر على رفعه مانع معنى كما قيل :
إنّ السفيه إذا لم ينه مأمور
وهذا وان لم يخل من البعد ليس بمستبعد منهم فإنهم يركبون أطراف الأسنة في سلوك
طرق الضلالة.
وقال قدّس سرّه : الختم عبارة عن ترك القسر والإلجاء إلى الإيمان فيجوز إسناده إلى الله حقيقة، وتحريره أنّ الختم على القلوب يستلزم ترك القسر، والإلجاء إلى الإيمان فمعنى ختم الله على قلوبهم أنه لم يقسرهم عليه، وليس هذا المعنى أعني ترك القسر مقصودا في نفسه بل لينتقل منه إلى أنّ مقتضى حالهم الإلجاء لولا ابتناء التكليف على الاختيار، وينتقل من هذا المقتضى إلا أنّ الآيات والنذر لا تغني عنهم، وأنّ الألطاف لا تجدي عليهم، وينتقل من عدم الإغناء والإجداء إلى تناهيهم في الإصرار على الضلال، فأطلق الختم على ترك القسر مجازا مرسلاً، ثم كنى به عن ذلك التناهي، فيكون هذا وجها مستقلاً في الآية كالجواب الثاني، وهذا ما يقتضيه ظاهر قوله عبر عن ترك القسر إلخ، ومنهم من قال حاصلهإنالختم المستعار لما مرّ جعل مجازاً عن ذلك الترك بعلاقة اللزوم فهو مجاز بمرتبتين، ولا يجوز أن يستعار الختم من معناه الأصلي، لترك القسر المشابه له في المنع عن وصول الحق في شأن هؤلاء خاصة، لأنّ الختم إحداث مانع محسوس، وترك القسر ترك رفع مانع معقول، واستعارة الأحداث للعدم بعيدة على أنّ معنى المنع في ترك القسر غير ظاهر إلا بعد سبق العلم بحالهم والآية لبيانها.
( أقول ) ما ذكره من أنّ الختم على القلوب يستلزم ترك القسر، والإلجاء إلى الإيمان إن
أراد به أنّ الختم الحقيقيّ الفرضي يستلزمه فلا استلزام فيه بوجا من الوجوه وان أراد الختم المجازي السابق فهو المجاز بمرتبتين الذي لم يرضه هنا. وقوله ينتقل منه إلى أنّ الآيات والنذر لا تغني عنهم إلخ لا يخفى أنه صريح معنى قوله ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ كما مرّ تقريره، فما معنى تكلف الكناية عنه بعد التصريح به وما المقتضى لهذا التكلف بعد النداء عليه، وهذا لم يظهر له وجه أصلاً وقوله ولا يجوز أن يستعار الختم إلخ إذا تدبرت ما فرّرته لك آنفاً ظهر ما فيه فتدبر، فإنّ هذا المقام من مزالق أقدام الأفهام ولهم فيه ما يتحير الناظر فيه، كما قيل إنّ هذا ليس وجهاً مستقلاً كما هو الظاهر، وان قال به الشارحون بل


الصفحة التالية
Icon