ج١ص٢٨٩
مبنيّ على الاستعارة السابقة فإنّ الختم الحسي بمعنى ضرب الخاتم الحسي لا يستلزم ترك القسر، والإلجاء إلى الإيمان بل إحداث الهيئة المانعة عن قبول الحق على القطع يستلزم ترك الإلجاء إلى الإلمان، فإنّ الإلجاء والإحداث متنافيان فلا يليق ذلك بشأنه تعالى على زعم المعتزلة. قوله :( لم يقسرهم ) يقال : قسره على الأمر قسرا من باب ضرب بمعنى قهره وألجأه والترامي تفاعل من الرمي والمراد به التزايد والترقي فيه يقال رميت على الخمسين، وأرميت إذا زدت كما في الأساس وصيغة التفاعل للمبالغة، وهو المناسب لما بعده لأنّ فرط الزيادة يؤدّي إلى التناهي أي بلوغ النهاية والوصول إلى الغاية، وقيل : هو مجاز عن التناهي، لأنّ المتناظرين في الرمي يبذلان جهدهما فيه فهو مكرّر مع ما بعده، ورسوخ الأعراق، كما في كتب القوم كناية عن الثبات والتصميم كما يقال له أعراق في اللوم قال :
جرى طلقاً حتى إذا قيل قدجرى تداركه أعراق سوء تبلدا
ومن فسره بضمائرهم المحتجبة بأبدانهم لم يصب، وعرق الشجر والنبات أصله ومنبته، وجمعه عروق وأعراق وقوله إبقاء على غرض التكليف إشارة لما تقرّر في الأصول من أنّ الإلجاء والإكراه الملجىء يمنع صحة التكليف بالمكره عليه لأنه لا يبقى للشخص معه قدرة واخت!ار والتكليف مبنيّ على ذلك، فإنّ القادر هو الذي إن شاء فعل، وإن شاء ترك، واستخكمت بمعنى قويت وأصله بمعنى أتقنت يقال : أحكمت الأمر إذا أتقنته، فاستحكم. وقوله :( إشعار على إلخ ) الإشعار بمعنى الاعلام، ويتعدّى بالباء والمصنف عداه بعلى لأنه ضمنه معنى التنبيه، وهم يتساهلون في الصلات. قوله :( حكاية لما كانت الكفرة إلخ ) يحتمل أنه حكاية له بلفظه إذ لا مانع من أن يقولوه بعينه، وحينئذ يقطع النظر فيه عن كونه حقيقة أو مجازا، لكنهم أطبقوا هنا على أنه حكاية بالمعنى، فإن كون القلوب في كنة هو معنى الختم عليها، كما أنّ وقر الآذان ختم عليها وثبوت الحجاب تغشية الأبصار، فتكون عبارة المحكيّ ما في الآية الأخرى قال الشارح الفاضل رحمه الله : هو حكاية لكلام الكفرة لا يعبارتهم فإن قولهم ﴿ قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ ﴾ [ فصلت : ٥ ] إلخ هو معنى ختم الله إلخ وكون إسناد الختم إليه تعالى حقيقياً معلوم من حال الكفرة، وأما أنّ الختم على هذا حقيقة أو مجاز ففيه تردّد ذكر في قوله وقالوا قلوبنا غلف أرادوا أنها في أغطية جبلة، وفطرة وفي قوله ﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ ﴾ [ فصلت : ٥ ] أنها تمثيلات لنبوّ قلوبهم عن الحق اهـ. وقال قدّس سرّه : الإسناد إلى الله حينثذ حقيقة لأنهم يجوزون إسناد القبيح إليه تعالى فإن جعل الختم حقيقة كان هذا وجهاً مستقلاً، وإن جعل مجازاً، كما هو الأولى كان راجعاً إلى ما تقدّم، وقوله معلوم من حال الكفرة مع إجماله أتم من ادعاء أنهم يجوزون إسناد القبيح إليه فإنه لا دليل عليه بل على خلات، فإنهم لما ادّعوا بطلان ما جاء به لم يكن الإعراض عنه وعدم قبوله قبيحاً بل مستحسناً كما لا يخفى ثم إنه يرد عليهم أنّ الختم هنا مجاز قطعا لأنّ معناه ضرب الخاتم كما مرّ وهو مففود بناء على أنّ معناه ما في الآية الأخرى وكونها أغطية جبلية لا يشعر بذلك بل بخلافه، ثم إنه ليس في عبارة المحكي إسناد إلى الله أصلاَ والكلام مسوق لتوجيه الإسناد، وكون الكلام تمثيلاَ لا ينافي حقيقة الأطراف، والجواب بأنّ مجازية الختم أعمّ من كون التجوّز فيه نفسه ومن كونه في الكلام المشتمل عليه كما قيل لا يجدي نفعاً، وأورد على هذا الجواب أنّ المقصود من هذه الآية تأكيد ما قبلها ولذا لم يعطف وعلى تقدير الحكاية يفوت هذا وقيل في رده : إنّ قولهم هذا يدل على كمال إصرارهم على الكفر فيؤكد عدم إيمانهم وعدم نفع الإنذار فيهم وهذا بين وإن خفي على السعد والسيد وكم من بين يخفى لدقتة، وهذا غريب فإنّ الذي في شرح الفاضل اعتراض على الوجه الثالث دون هذا والذي في شرح السيد ما نصه اعتراض على الخامس بأنه ياباه سوق الكلام، فإنّ القصد بختم الله إلى تقرير ما تقدّم من حال الكفار، وتأكيده سواء جعل استئنافا أو لا اهـ ومراده أنه ليس فيه ما يدل على الحكاية لعدم لفظ القول ونحوه، وقصد الاستهزاء والتهكم غير قصد التقرير والتكيد وإن كان مآل معناه إليه فتدبر. قوله :( تهكماً واستهزاء إلخ ) التهكم والاستهزاء بمعنى هنا وهو ظاهر وفي شروح الكشاف أنه يفهم بالذوق السليم ووجه بأنه إذا نقل كلام أحد مع ظهور بطلانه يفهم منه