ج١ص٢٩١
تعالى ﴿ لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ﴾ [ الأعراف : ٤١ ] فخصها بجهة العلوّ المقابلة، ومثله يكفي في النكات، ولا يضره ستره لجميع الجوانب كالإزار وقيل الغشاوة إنما تكون بين الرائي والمرئي، فتختص بالمقابلة وهو واضح لا سترة فيه وقوله في الكشف فيه نظر لأنّ لفظ الغطاء والغشاوة لا ينبىء عن خصوص جهة المحاذاة، فالوجه أن الغشاوة مشهورة في أمراض العين فهي أنسب بالبصر من غير حاجة لما تكلفوه يعلم ما فيه مما قدمناه وقال : في القلب والسمع خاص فعلهما دون العين لما سيأتي وفي الانتصاف الأسماع والقلوب لما كانت مجوّفة كان استعارة الختم لها أولى والأبصار لما كانت بارزة، وادراكها متعلقاً بظاهرها كان الغشاء بها أليق والنكات لا تتزاحم. قوله :( وكرّر الجأر إلخ ) الشدة لأنّ الختم على الشيء وعلى ما يوصل إليه أشدّ من الختم عليه وحده أو عليهما معاً فإنّ ما يوضع في خزانة إذا ختمت خزانته، وختمت داره كان أقوى في المنع منه وأمّا الاستقلال، فلأنّ إعادته تقتضي ملاحظة معنى الفعل المعدى به حتى كأنه ذكر مرّتين، ولذا فرق النحاة بين مررت بزيد وعمرو، ومررت بزيد وبعمرؤ بأنّ في الأوّل مروراً واحدا، وفي الثاني مرورين والعطف، وأن كان في قوّة إعادة العامل ليس ظاهرا في إفادته كإعادته، لما فيه من الى*حتمال وهذا معنى ما في الكشاف مع أنّ هذا أوضح وأظهر، لأنه قال فيه : لو لم يكرر لكان انتظاماً للقلوب والأسماع في تعدية واحدة وحين اسنجد للأسماع تعدية على حدة كان أدل على شدة الختم في الموضعين اهـ فإنّ قوله في الموضعين إشارة إلى الاستقلال الذي صرّح به المصنف، وقيل : ختم يستعمل تارة متعدّيا بنفسه يقال ختمه فهو مختوم وأخرى بعلى، فإذا عدي بعلى دل على شدة الختم، لأنّ زيادة اللفظ تدل على زيادة المعنى، وليس هنا معنى مناسب سوى الشدة، والاستقلال لما مرّ هكذا ينبغي أن يفهم هذا
المقام، والعجب أنّ صاحب الكشاف ذكر الفائدة الأولى دون الثانية ولم يتعرّض لحلها جميس ر الشراح وبعض أفاضل المتأخرين بينها بما هو بيان للثانية اهـ. يعني الشريف حيث قال في شرحه ة لقوله أدل على شدّة الختم لأنّ ملاحظة معنى الجار في كل منهما تقتضي أن يلاحظ مع كل واحد معنى الفعل المعدى به، فكأنّ الفعل مذكور مرّتين اهـ. ولا يخفى ما فيه، فإنه إن أراد بزيادة المعنى زيادة الكتم، فهو بعينه ما بعده فيقع فيما فرّ مته، وإن أراد زيادة الكيف، فليس فيما ذكره ما يدل عليه والحكم في كلام المصنف النسبة أو المحكوم به، وهو الختم ه قوله :( ووحد السمع للامن إلخ ) رفيم لما يخطر في الخواطر من أنّ مقتضى انتظام الكلام أن تجري المذكورات على نمط واحد، فيؤتى بها كلها مفردة أو مجموعة فلم أفرد هذا دون أخويه، فوجه بأنه يطرد إفراد ما حقه الجمع إذا أمن الليس كما في قوله :
كلوا في بعض بطنكم تعفوا ~ فإنّ زمانكم زمن خميص
فذكر بطنكم في موضع بطونكم لذلك، فلو ألبس مثله لم يجز كما في نحو ثوبهم، وفرشهم في محل يحتمل الاشتراك، وهو غير مراد أو لأنه مصدر في الأصل والأصل فيه الإفراد لصدقه على القليل والكثير، فلا يجمع ما لم يرد تنوّعه لمحاً لأصله، وهذا مصحح، وقيل : إنه مر ] ح لأنه الأصل ولا مقتضى للعدول عنه وفيه أنه عند السائل له مقتضى لا ينكر، وهو مجانسة أخويه وتعدّده في الواقع.
فالظاهر ما فيل من أنّ المرجح الاختصار والتفنن مع الإشارة إلى نكتة هي أنّ مدركاته
نوع واحد ومدركاتهما أنواع مختلفة وقيل الجوإب أنه إذا نساويا، فتعيين الطريق ساقط، ودلالة إفراده على وحدة متعلقه لا تعلم من أيّ الدلالات هي ورد بأنها دلالة التزامية وهي يكتفى فيها بأيّ لزوم كان ولو بحسب الاعتقاد في اعتبارات البلغاء أو على تقدير مضاف مثل وعلى حواس سمعهم أو مواضع سمعهم، فالسمع بالمعنى المصدري لأنه كما قال الراغب قؤة في الأذن تدرك بها الأصوات، وفعله يقال له : السمع أيضاً ويعبر تارة بالسمع عن الأذن وتارة عن فعله نحو ﴿ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ﴾ [ الشعراء : ٢١٢ ] والحواس جمع حاسة، وهي القوّة التي تدرك بها الأغراض الجسمية والحواس هي المشاعر الخمس اهـ فما قيل عليه من أنه مجرّد تجويز نحويّ لأنّ حمل السمع على المعنى المصدري بدون ذكر هذا المضاف بعيد، وفي تقديره نظر لا وجه له، وقرأ ابن أبي عبلة في الشواذ وعلى أسماعهم