ج١ص٢٩٢
واستشهد له بقوله : قالت ولم تقصدلقيل الخنا مهلاً لقدأبلغت أسماعي
وما قيل في توجيه الإفراد أنّ المراد سمع كل واحد، وهذا وإن كان حقه الإفراد إلا أنّ
حمل الجمع على كل فرد فرد جائز لا واجب كما قيل في قوله تعالى ﴿ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ﴾ [ غافر : ٦٧ ] على وجه.
واعلم أنه قال في المثل السائر إنّ مما هو من صناعة البلاغة بمنزلة عليته اختلاف الألفاظ، فمنها ما لا يحسن استماعه الآ مجموعاً كاللب، فلذا لم ترد في القرآن مفردة لأنّ الجمع فيها أحسن وبضدّه ما ورد مفرداً ولم يرد مجموعا كالأرض، وأمّا المصادر فالإفراد فيها هو الأحسن ومما جاء منها مجموعاً قول عَنترة :
فإن يبرأ فلن أنفث عليه ~ وإن يفقد فحق له الفقود
فهذا غير شائع، ولا لذيذ وإن كان جائزا وكله يرجع إلى حاكم الذوق السليم، فإن
قلت : الدلالة الالتزامية من توابع الوضعية، واللزوم معتبر فيها بالنسبة لمدلول اللفظ وضعاً سواء كان لزوماً عقليا، كما اعتبره أهل الميزان أو أعمّ منه فيشمل العرفي وغيره، كما هو عند الأدباء وأهل المعاني، ومدلول السمع الحاسة أو فعلها كما مرّ ولا دلالة لذلك على وحدة المتعلق أو تعدّده وهذا هو الذي قصده المدقق في الكشف فما وجه ردّه قدّس سرّه. قلت : أراد أنّ الكلام البليغ الملقى للمخاطب إذا قصد به ما اتضح دلالته عليه يعدّ تصريحا، فإن قصد ما يستلزمه يكون كناية لزومية، وإن لم ينشأ ذلك مما وضمع له كما قرّر في شرح قول السكاكيّ إنّ إخراح الكلام لا على مقتضى الظاهر يسمى كناية، وهو مما خفي على بعض شراحه، أو نقول وحدة اللفظ تدلّ على وحدة مسماه، وهو الحاسة ووحدتها تدلّ على قلة مدركاتها قي بادىء النظر، ومثله يكفي في اللزوم عرفاً، وقيل اعتبار البلغاء دلالة رابعة، كما أنّ العادة طبيعة خامسة وهذا مخالف لما قرّره في شرح المفتاح فليحرّر التوفيق بينهما فإنه محتاج لمزيد تدفيق ومنه يتنبه لوجه جمع القلوب كثرة والأبصار قلة وإن كان ذلك هو المعروف في استعمال الفقهاء في جمعهما. قوله :( والآيصار جمع يصر إلخ ) في الكشاف والبصر نور العين وهو ما يبصر به الراني ويدرك المرئيات كما أنّ البصيرة نور القلب وهو ما به يستبصر ويتأمّل وكانهما جوهران لطيفان خلقهما الله فيهما اكتين للأبصار والاسنبصار اهـ. وعدل المصنف عته لما فيه من التطويل والخفاء، والبصر في الأصل مصدر بمعنى إدراك العين وإحساسها، كما في كتب اللغة، ثم تجوّز به عن القوّة التي هي سببه وعن العين التي هي محله وشاع هذا حتى صار حقيقة في العرف لتبادره، وهو المناسب للختم والغشاوة لتعلقهما بالأعيان، والقوّة واحدة القوى، وهي في العرف العام معنى يصدر به عن الحيوان أفعال شاقة وضدّها الضعف، وعند الحكماء معنى راسخ هو مبدأ للتغيير وصدور الآثار والقوّة البصرية عندهم معنى في ملتقى العصبتين الواصلتين من الدماغ إلى الحدقتين من شانه إدراك الألوان والأشكال وتفصيله معروف في محله، وتحمل هذه القوى أجسام لطيفة بخارية تتكوّن من لطيف الأخلاط، وتسمى أرواحاً عند الأطباء، واشتهر إطلاق النور عليها فيقولون في الأعشى ضعف نور بصره وفي الأعمى فقد نور بصره.
وقال الإمام الغزالي في كتاب المشكاة اسم النور بالنور الباصر أحق منه بالنور المبصر
وهذا مراد الزمخشريّ، وفيه كلام في الشروح إيراده هنا من الفضول، وقد كفانا المصنف رحمه الله مؤنته بتركه. قوله :( ولعل المراد بهما في الآية إلخ ) العضو بضم العين ويجوز كسرها، وبضاد معجمة ساكنة يليها واو الظاهر أنه أراد به جزءاً من أجزاء البدن مطلقا إلاً أنّ أهل اللغة كما في العين وغيره قالوا : إنه مخصوص بالجزء المشتمل على لحم وعلى عظم كاليد والرجل، فعلى هذا هو هنا مجاز، ولا ضمير فيه وفي قوله أشد إشارة إلى أنّ في الآخر مناسبة أيضاً باعتبار محله أو التقدير فيه كما مرّ إلا أنه يتوجه عليه إذا كان البصر مصدرا أنه كيف يتم ما مرّ في توجيه إفراد السمع بأنه لمح أصله ووجه المناسبة تقدم تقريره وهو جار على التجوّز نظراً لأصله، أو لأنّ إحداث الهيئة يكون فيها، وأتى بلعل لعدم جزمه به والظاهر أنه تأدّب منه في التفسير بغير المأثور وهذا دأبه، ودأب السلف نفعنا الله ببركاتهم، وفي الكشف أنّ الزمخشريّ


الصفحة التالية
Icon