ج١ص٢٩٣
يعبر بكأن فيما لم يسبق فيه بنقل، ولذا قال : كان هنا وقيل إنما عبر بكأن فيه لأنه ناشىء عن ظن وتخمين كسائر الأمور العقلية التي يدعونها، وأمّا كيفية الإبصار فليس هذا محلها، وقوله وبالقلب ما هو محل العلم إلخ الظاهر أنه الجسم الصنوبري المعروف، لأنه اشتهر في الآيأت والأحاديث، ولسان الشرع أنه محل العلم وكونه في الدماغ أو مثتركا بينهما مبنيّ على إثبات الحواس الباطنة التي لم يثبتها الشرع والكلام فيها مشهور، وقيل : إنما قال ما هو إلخ ليشمل الدماغ ولا يخفى ضعفه والقلب، في الأصل مصدر سمي به لتقلبه أو لأنه لبه، ولذا سمي العقل لباً أيضاً. قوله :( وقد يطلق ويراد به العقل والمعرفة ) الإطلاق لغة فك القيد والعقال ونحوهما، والمراد به هنا الاستعمال، وقد يراد به استعمال بدون قيد وشرط، وهو فيهما حقيقة عرفية، والعقل يقال للقوّة المتهيئة لقبول العلم وللعلم المستفاد بها وأصل معنا. الإمساك بعقال ونحوه كما قال :
قد عقلنا والعقل أيّ وثاق وصبرنا والصبر مرّ المذاق
وفي جمع المصنف بين يطلق، والعقل إيهام تضاد، وفيه لطف لا يخفى، والعقل هنا إن
كان العلم بالكليات والمعرفة العلم بالجزئيات، كما هو أحد معانيها، فذكره للتعميم، وان كان مطلق الإدراك، فهو المراد بالمعرفة أيضاً، وقيل العقل بمعنى التعقل وعطف المعرفة عليه عطف تفسيرقي، لثلا يراد به القوّة العاقلة، واستشهد بالآية على أنّ المراد بالقلب فيها العقل بعلاقة الحالية والمحلية، كما أشار إليه قبيله، وقد قيل عليه إنه مخالف لما فسره به في سورة ق من قوله أي قلب واع يتفكر في حقائقه وتنكيره وابهامه تفخيم واشعار بأنّ كل قلب لا يتفكر ولا يتدبر.
وقال الشيخ في الدلائل بعدما نقل تفسيرهم : القلب في الآية بالعقل منكراً على من فسره
به أنّ المرجع إليه لكن ذهب عليه أنه كلام مبنز، على تخييل أن من لا ينتفع بقلبه فلا ينظر ولا يعي بمنزلة من عدم قلبه جملة، كما في قول الرجل : غاب عني عقلي، ولم يحضرني يريد أن يخيل إلى السامع أنه غابءخه قلبه بجملته، ويريد أنه لم يكن علمه هناك، وكذا إذا قال : لم أكن هناك يريد غفلته عن شيء فهو يضع كلامه على التخييل، وفي الإيضاح : كلام الشيخ حق لأنّ المراد بالآية الحث على النظر والتقريع على تركه فإن أريد بهذا التفسير أن المعنى، لمن كان له عقل مطلقاً، فهو ظاهر الفساد، وان أراد أنّ المعنى لمن كان له عقل ينتفع به، ويعمله فيما خلق له من النظر فتفسير القلب بالعقل ثم تقييده بما قيد به عار عن الفائدة لصحة وصف القلب بذلك بدليل قوله تعالى ﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾ [ الأعراف : ١٧٩ ].
( أقول ) هذا ليس بشيء لأنّ المقصود بصدد بيان معاني القلب لغة وبيان وجو. استعماله
في النظم، فذكر أحدها هنا تبعاً لغير. كالراغب تتميماً للفائدة فلا ينافي ذكره لوجه آخر ثمة وتفسيره به ه هذا بحسب جليّ النظر وأمّا بحسب دقيقه، فالمآل واحد، لأنّ من فسره بالعقل وسكت عن توصيفه جنح أيضاً إلى ما جنح إليه الشيخ من تنزيل الموجود منزلة المعدوم لعدم غنائه، فكأنّ من لم يتدبر لا عقل له رأسا كما أنّ الشيخ لما أبقاه على أصله وحقيقته أشار إلى أنّ من لا يعي ولا يفهم بمنزلة الجماد الذي لا قلب له، ومن قدر الصفة نظر إلى الظاهر، وسلك الطريق الواسع فما في الإيضاح لا وجه له نعم كلام الشيخ فيه من لطف التخييل والجري في ميدان البلاغة العربية ما لا يلحق وقد ألنم بمثله ا اشعراء وعدوه من لطيف المعاني كماقيل :
قالت وقد سألت عنها كل من ~ لاقيته من حاضر أو بادي
أنا في فؤادك فارم طرفك نحوه ~ ترني فقلت لها وأين فؤادي
وفي ذريعة الشريعة لما كان تأثير هذه القوى من الدماغ قيل مسكن الفكرة وسط الدماغ، ومسكن الخيال مقدّمه، ومسكن الحفظ والذكر مؤخره، ولما كان قوام الدماغ بل الجسم كله من القلب الذي هو منشأ الحرارة الغريزية عبر الناس عن هذه القوى مرّة بالدماغ، فقيل لمن قويت قواه المدركة له دماغ، ولمن ضعفت فيه خالي الدماغ وتارة بالقلب، وهو أكثر وعليه قوله تعالى ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ ﴾ [ ق : ٣٧ ] اهـ. قوله :( وإنما جاز إمالتها إلخ ) يعني أنّ الصاد حرف مستعل، وهو عند النحاة وأهل الأداء مناف


الصفحة التالية
Icon