ج١ص٢٩٤
للإمالة فيمنع منها لأنها إن ينحو بالفتحة نحو الكسرة، وبالألف نحو الياء وذلك مقتض لتسفل الصوت، والاستعلاء مقتض لخلافه، فوجهوه بأنّ سببه هنا الكسرة الواقعة على الراء وهو كما بينوه في مباحث مخارج الحروف، وصفاتها حرف مكرر، لتكرّره على اللسان في النطق به فإنه يرتعد وأظهر ما يكون التكرير إذا شدد أو وقف عليه فكسرته بمنزلة كسرتين، فقوي السبب حتى أزال المانع وهذا معنى ما في الكشاف من أنّ الراء المكسورة تغلب المستعلية لما فيها من التكرير
كأنّ فيها كسرتين، وذلك أعون شيء على الإمالة وأن يمال له ما لا يمال، ولم يرتض هذا الإمام الجعبري في شرح الشاطبية والرائية فقال : وجه الإمالة مناسبة الكسرة واعتبرت الكسرة على الراء دون غيرها لمناسبة الإمالة الترقيق لا ما توهمه المعللون لقوّتها بالتكرير لعدمه، يعني أنّ طائفة فهموا من قولهم إنّ الراء حرف مكرّر إنه حقيقة وليس معناه إلاً أنّ اللافظ بها يجب عليه المحافظة عليها لئلا يقع تكرير، وهو خطأ عظيم، إذ لم يقل أحد بأنّ في نحو ضرب راآن اهـ. ولا يخفى أن فيها تكرارا مّا، كما يدركه الطبع السليم وإن كان في الوقف والتشديد أظهر وما ذكره العلامة مما اتفق عليه أهل العربية، وأيده الوجدان فتدبر. قوله :( رفع بالابتداء عند سيبويه إلخ ) هذا مذهب الجمهور وخص سيبوبه لأنه مقتداهم، والأخفش يجعله فاعلاً بالظرف وإن لم يعنمد على ما يجب الاعتماد عليه من النفي والإستفهام وأخواتهما، وهو محل الخلاف، والأخفش لا يمنع صحة كونه مبتدأ، كما توهم والالتباس مخصوص بالخبر الفعلي، كما مرّ فلهذا كان فيه الوجهان إذا اعتمد بالاتفاق، وإن اختلف في الأرجح لأنه إجمال لا ليس والفرق بينهما مما خفي على كثير حتى توهم اتحادهما وهو فاسد قطعاً، والفرق بينهما أنّ في الإلباس فهم خلاف المراد وفي الإجمال عدم الفهم مطلقاً، لأنه لا يفهم من المجمل شيء بدون بيان، ولا ضرر في عدم الفهم إنما الضرر في فهم غير المراد، كذا أفاده شيخنا في حواشي شرح التسهيك، وقيل : الرفع بالابتداء لا يختص بسيبور لاتفاق ما عدا الأخفش عليه إذا لم يعتمد على ما يجب اعتماد اسم الفاعل عليه حتى يعمل، والذي اختص به سيبويه أنه لا يكتفى بالاعتماد على ما سوى الموصول، ويشترط كون المرفوع حدثا، وقال الرضي : إذا لم يعتمد الظرف على أحد الأشياء الستة، ولم يقع بعده أن المصدرية، فالمرفوع مبتدأ مقدّم الخبر وعند الكوفيين والأخفش في أحد قوليه هو فاعل الظرف، لأنّ الكوفيين لا يجوزون تقديم الخبر على المبتدأ، وأمّا الأخفش، فيجوّز ارتفاعه على الابتداء أيضاً لتجويزه عمل الصفة بلا اعتماد، . وله في الظرف قولان. قوله :( ويؤيده العطف على الجملة الفعلية ) أي يؤيد رأي الأخفش عطفه على جملة ختم الفعلية، لأنّ الأصل الأقوى في متعلقه أن يقدر فعلا لا سيما إذا وجد ما يقضتيه كالعطف على مثله، وما قيل : من أنه لو قدر وصفاً ضعف من وجهين عمل اسم الفاعل والظرف من غير اعتماد ضعفه أقوى منه، وحينئذ فقوله ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ ﴾ [ اس عمران : ١٧٦ ] مثله وقد أيد أيضاً بنصب غشاوة وقيل إنّ التحقيق أن تجعل اسمية معطوفة على الفعلية، وعدل عن فعليتها للدلالة على الثبوت، والدوام الذي اقتضاه المقام لأنّ سبب الإيماذ على ما تقرر حدوث العالم وتغيره، وهو لا يدرك الآ بحاسة البصر وكون الجملتين دعائيتين ليس بشيء هذا، والظاهر أنا إن لم نقل بأنّ هذه الجملة وما عطف عليها حالية ثابتة على كل حال وعليه لا إشكال، فوجه العدول عن الفعلية إلى الاسمية، وترك التناسب المطلوب أنه قصد فيه إلى أنّ غشاوة البصر ثابتة جبلية فيهم، كما قال تعالى ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ ﴾ [ آلى عمران : ٩٠ ا ] فمن لا لبّ له لا ينظر نظر استبصار في الأنفس، والآفاق بخلاف عدم التصديق وعدم الإصغاء للنذر فإنه متجدّد فيهم قديماً وحديثاً، فدل النظم على أنهم، كما لم يمتثلوا أوامر الرسول لم يجروا على مقتض العقول لخبث طينتهم والطبع على طويتهم، وهذا هو السر في التعبير بالغشاوة الخلقية في العين، وهذا من بدئع التنزيل، التي ينبغي العض عليها بنواجذ التعويل. قوله :( وقرىء بالنصب إلخ ) هذه القراءات كلها شواذ الآ المشهورة منها، وهي غشاوة بكسر الغين المعجمة مع الألف بعد الشين والرفع ولذا عبر المصنف بقرىء المجهول، والنصب نصب غشاوة المكسور أوّله.
وقال قدّس


الصفحة التالية
Icon