ج١ص٢٩٦
على في الدعاء وما يقاربه ولم يقل به أحد هنا ولا يقال عليهم العذاب فلا تهكم فيه، وهي لام الاستحقاق وفي المغني لام الاستحقاق هي الواقعة بين معنى وذات نحو ﴿ الْحَمْدُ للّهِ ﴾ [ الفاتحة : ا ] والأمر لله و ﴿ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ ﴾ [ المطففين : أ ] و ﴿ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ خزي ﴾ [ البقرة : ١١٤ ] ومنه وللكافرين النار أي عذابها اهـ وهذه الجملة اسمية قدم خبرها استحسانا لأنّ النكرة موصوفة ولو أخر جاز كما في قوله تعالى
﴿ وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ﴾ [ صورة الأنعام : ٢ ] وسيأتي تفصيله ويجوز أن يقال تقديمه للتخصيص، وقيل إنه تهويل لما يستحقونه من القتل والأسر في الدنيا والعذاب الدائم في العقبى، ومن وجوه تهويله بيان أنّ ما يستحقونه من العذاب مخصوص بهم فلا يعذب عذابهم أحد، ولا يوثق وثاقهم أحد. قوله :( والعذاب كالنكال إلخ ) أمّا اتحادهما في البناء، وهو الوزن فظاهر، وأما في المعنى فبينه بقوله تقول إلخ. وقد اختلفوا في أصله، فقيل إنه من قولهم عذب الرجل إذا ترك اكل والشرب والنوم، فالتعذيب حمله على أن يجوع ويظمأ ويسهر، وحاصله الإمساك ومنه العذب لمنعه من العطش كما قيل :
مابال ريقك ليس ملحاطعمه ويزيدني عطشا إذا ماذقته
ويقمع بمعنى يزيل، وأصل معنى القمع الكف والرح والمنع والزجر، ونقاخ كغراب
الماء البارد العذب الصافي بنون وقاف وخاء معجمة آخره وكذا الفرات، وفي الكشاف ويدل عليه تسميتهم إياه نقاخا لأنه ينقخ العطش أي يكسره، وفراتا لأنه يرفته على القلب أي يفتته ويكسره، وعلى القلب وزنه عفال إلاً أنه قيل عليه إنه تعسف لأنه لم يرد رفات بمعنى فرات قط، وقد يقال مراده أنه يلاحظ فيه معنى اعتبره الواضع حتى إذا لم يوجد صريحاً تصرفوا في مادّته بتقدير التقديم والتأخير، فليس قلباً حقيقياً وهذا كثيراً ما يذكره في العين والتهذيب، ولبعده توهم بعضهم أنّ القلب فيه بمعنى الجارحة، ولا وجه له وقال ابن الصائغ : إنه لم يرده ولكنه أوهمه، كما يقال للثقيل خفيف على القلب، وأمّا كون الرفت الكسر والمذكور أوّلاً المنع وبينهما فرق فقد دفع بأن الكسر يعبر به عن المنع كما يقال ٣ سر سورته إذا كفها، فبينهما مناسبة أو الرح مؤثر، ولا تأثير أعظم من الكسر. قوله :( ثم يسع فأطلق على كل ألم فاح إلخ ) اتسع مبنيّ للمجهول وأصله اتسع فيه فهو كمشترك، ولو قرىء معلوماً جاز لكن الأؤل أولى والفادح اسم فاعل من فدج بفاء، ودال وحاء مهملتين بمعنى مثقل، والمرأد مؤلم شاق مطلقا وإن لم يكن مانعاً رادعا.
وقال السخاوندي العذاب إيصال الألم إلى الحيّ مع الهوان فإيلام الأطفال والبهائم ليس بعذاب. وقوله :( قهو أعنم منهما ) ذهب كثير إلى أنّ ضمير التثنية للنكال والعقاب، لأنّ النكال ما كان رادعا، والعقاب بمعناه، أو هو ما يجازى به كعقاب الآخرة والعذاب أعم إذ هو ما يؤلم مطلقاً فيشمل عذاب البهائم والأطفال وغيرهما وقيل معناه أعم مما يكون نكالاً وما لا يكون نكالاً لوجوده في كل منهما بدون الآخر، ومن أرجع الضمير إلى العقاب فقد زاغ عن سنن
الصواب اهـ. يعني لأنّ العقاب لم يذكر قصدا بل للتفسير، وأنه على هذا الثفسير مطابق لكلام الكشاف، ولكنه ليس ما ذكره أقرب عند الإنصاف، حتى يدعي أنه خطأ. قوله :( وقيل اشتقاقه من التعذيب إلخ ) قال الراغب في مفرداته : قيل أصل التعذيب من العذب فعذبته أزلت عذب حياته على بناء مرّضته وقذيته، وقيل : أصل التعذيب إكثار الضرب يعذبة السوط، وقيل من قولهم بئر عذية فيها قذى وكدر فعذبته بمعنى كدّرت عيشه، وقال أيضاً التمريض القيام على المريض، وتحقيقه إزالة المرض عن المريض كالتقذية في إزالة القذى عن العين اهـ. والقذى ما يسقط في العين، فيؤلمها أو الشراب فيعاف وأقذاه أوقع فيه القذى وقذاه أزاله وأوقعه فيه، فهو ضدّ هذا تحقيقه على ما بيناه، ومنه علم ما أراده المصنف رحمه الله وأنّ التفعيل فيه للسلب كالأفعال، ومعنى عذبه أزال ما يستعذبه كمرضه وقذاه وإنما أوضحناه مع وضوحه لما وقع فيه من الخبط، حتى قيل : إنّ التمريض التوهين، وحسن القيام على المريض فكأنه جعل حسن القيام على المريض إزالة للمرض عنه وقيل لعله وحده بمعنى الإزالة وقد سمعت التصريح به من أهل اللغة، وإنما جعل العذاب مشتقا من التعذيب، فالمراد أنه مأخودّ منه في الأصل، ثم استعمل في الإيلام مطلقا وقطع النظر فيه عن الإزالة، وما قيل من أنّ الثلاثيّ لا يشتق من المزيد