ج١ص٢٩٧
في الأصل الأكثر، وقد يجعلونه مشتقاً ومأخوذا منه إذا كان أظهر وأشهر، كما قالوا إنّ الوجه مشتق من المواجهة وفيه أنّ العذاب ليس ثلاثياً لأنه اسم مصدر للتعذيب، ولو قيل أصله العذب كما قيل اتضح ما قاله. قوله :( والعظيم نقيض الحقير إلخ ) التناقض عند المنطقيين اختلاف القضيتين بحيث يلزم من صدق إحداهما كذب الأخرى، وبالعكس والنقيضان الدالان على معنى وعدمه، والمراد بالنقيض هنا ما يرفع الشيء عرفاً كما قاله قدّس سرّه، فإذا قيل هذا كبير أو عظيم رفع الأوّل بأنه صغير، والثاني بأنه حقير ولا اختلاف بينهما بالإيخاب والسلب، فهو بمعنى المقابل هنا، وفسروه بما يعلم منه وجه اختيار العظيم على الكبير في التوصيف به، ولما كان الحقير دون الصغير كان العظيم فوق الكبير لأنّ كل وحد من الحقير والصغير خسيسان والحقير أخسهما، كما أنّ كل واحد من العظيم والكبير شريفان، والعظيم أشرفهما فتوصيف العذاب به كثر في تهويل شانه من توصيفه بالكبير، ألا ترى إلى جريان العادة بأنّ الأخ يقابل بالأشرف والخسيس بالشريف، فما يتوهم من أنّ نقيض الأخص أعم مما لا يلتفت إليه في أمثال هذه المباحث، وقال الراغب : عظم الرجل كبر عظمه ثم استعير لكل كبير وأجرى مجراه محسوسا كان أو معقولاً معنى كان، أو عينا والعظيم إذا استعمل في الأعيان، فأصله أن يقال في الأجزاء المتصلة والكثير يقال في المنفصلة وقد يقال في المنفصلة عظيم نحو جيش عظيم، ومال عظيم وذلك في معنى الكثير.
( أقول ) محصل ما قالوه هنا أنّ العظيم والكبير يستعملان في الأجرام، والمعاني والعظيم
فيهما فوق البهير، فناسب الوصف به دونه وقد تبعهم الإمام في تفسيره هنا، وهو مخالف لما ذكره في أوائله في قوله في الحديث القدسي :" الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري " حيث جعل الكبرياء قائمة مقام الرداء والعظمة مقام الإزار، وقد علم أنّ الرداء أرفع من الإزار فوجب أن يكون صفة الكبر أرفع من العظمة لأنّ الكبير هو الكبير في ذاته سواء استكبره غيره أم لا، وأمّا العظمة فعبارة عن كونه بحيث يستعظمه غيره، وإذا كان كذلك كانت الصفة الأولى ذاتية وأشرف من الثانية، وهو مناف لما ارتضاه هنا فتدبر. قوله :( ومعنى التنكير الخ ) زاد قوله في الآية إشارة إلى شمول ما ذكره المصنف رحمه الله تبعاً للعلامة لتنكير غشاوة وعذاب فهو توطئة لما بعده، فالتنكير فيهما للنوعية والمعنى أنّ عذاب الآخرة نوع من العذاب غير متعارف كعذاب الدنيا، وجعل صاحب المفتاح التنوين للتهولل، وفسره بالتعظيم وقد رجح كلاً من المسلكين طائفة وكل حزب بما لديهم فرحون، وقد قيل الأقسام أربعة هي أنّ التنوين إمّا للنوعية أو للتهويل، وهما شديدا التناسب، وامّا أن يكون الأوّل للنوعية والثاني للتهوبل، وهو أيضاً بليغ، أو على العكس وهو مرجوح، وأختار التعامي على العمى تنبيهاً على أنّ ذلك من سوء اختيارهم وشآمة إصرارهم على إنكارهم، لأنه كتجاهل إذا أظهر من نفسه الجهل، وعلى التعظيم معناه غشاوة أيّ غشاوة، والقول بأنه أنسب بقوله عظيم معارض بالمثل، لأنّ حمله على التنويع أظهر لاستفادة التعظيم من صريحه وحمله على التأكيد لا حاجة إليه، والآلام بالمدّ جمع ألم إشارة إلى العذاب، كما أنّ العظام جمع عظيم إشارة لصفته. وقوله :( لا يعلم إلخ ) إشارة إلى أنّ عظمه، وتفخيمه لإيهامه حتى كانه مما لا يوقف على كنهه كما في ﴿ الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ ﴾ [ الحاقة : ا ]. قوله :( نوع غشاء ) هذا معنى قوله في الكشاف : نوعاً من الأغطية غير ما يتعارفه الناس، وهذا النوع هو المعنى المجازي الذي مز تقريره، وقيل الظاهر منه أن براد بالغشاوة بواسطة التنكير نوع من المعنى المجازي أي غطاء التعامي وكأنّ وجهه أن تحمل الغشاوة على عموم المجاز وفيه بعد جدّا، والظاهر أن يراد مجازا بالغشاوة غطاء الله تعالى فيراد بالتنكير نوع منه، ثم الظاهر أن يحمل التنكير على النوعية والتعظيم معاً، كما حمل على التكثير والتعظيم معاً في قوله تعالى ﴿ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ ﴾ [ فاطر : ٤ ] اهـ. ولا يخفى أنّ ما ذكره تكلف لما لا حاجة إليه، وأمّا حمل التنكير عليهما فمتجه لأنّ مآل التنويع للتعظيم أيضاً لإفادته الإبهام الدال ص ليه، ولا فرق بين المسلكين إلاً في العبارة وفي كلامهم
إيماء إليه فتأمّل. قوله :( لما افتتح سبحانه وتعالى كتابه إلخ ) في الكشاف افتتح سبحانه بذكر الذين أخلصوا إلخ والمصنف رحمه الله لخصه وزاد فيه التصريح بالكتاب، والظاهر أنّ المراد منه القرآن فيقتضي أنّ سورة البقرة أوّله وافتتاحه


الصفحة التالية
Icon