ج١ص٥٢
فيها ضرورة ملجئة إلى جعلها علماً جنسياً اعتراف منه بوروده، فذكره في صدد الجواب من العجب العجاب وأما ما ذكره في تفسير كلمة التوحيد من قوله : أي لا معبود بحق إلا ذلك الواحد، فلا يقتضي ما أورده عليه لأنه تأييد لعلمية الله وهو لا يقتضي اختصاص المنكر، وهو من قبيل العام المخصوص بقرينة، ولذا فسره بذلك كما بين في محله، وما ذكره في توجيه التنكير غير لائق بنظره اللطيف، ومقامه الشريف، وقيل في الجواب عما قاله الشريف إنّ ما قاله السعد في غاية القؤة والمتانة، وتقريره أنّ الشارع جعل هذه كلمة توحيد وهو مستلزم لكون الله علما لما ذكرنا مما لا مجال لمنعه كما سيأتي تحقيقه وإشارة تعريفه وتنكيره لما ذكره ليست مبنية على الوضع اللغوي والمعنى الأصلي بل هي من نكات البلاغة والاعتبارات المناسبة فحيث لم يكن في المعنى تعين بوجه لم يورد في الكلام تعريفاً أصلاً، فقلت اسم الله يقع على كل معبود بحق أو باطل فإذا حصل بالعلمية تعين ما أورد في الكلام المعبر عنه تعريفاً، فقال : ثم غلب على المعبود بحق، فإذا ازداد التعريف زاد فيه تعريفاً، ولا يخفى على المنصف أنه اعتبار مناسب صالح لكونه، إشارة لما ذكره ولا يرد عليه ما أورده قدس سره نظراً إلى الوضع اللغويّ مع أنّ قوله لا مدخل في ذلك لتعريف الحق، وتنكيره محل نظر إذ تعريفه إذا كان إشارة إلى الحق المختص بالله تعالى يفيد تعين ذات المعبود إفادة تامّة واضحة، فلا يصح القول بأنه لا مدخل لتعريفه وتنكيره في ذلك، ولا يخفى أنه لا معنى له، فإنّ نكات البلاغة لا بد لها من دليل في الكلام وضعي أو تابع له، فلا تثبت بمجرّد التشهي، وقد عرفت ما يغنيك عن مثله، ثم إنّ قوله : إن مفهومه المقابل للباطل لا تعدّد فيه ممنوع سواء أراد في نفس الأمر، أو في الذهن وعند العقل*
تنبيه : كان عندي فيما قاله الشيخان هنا في لفظ الله، وما فيه للشراح من قيل، وقال شبه
لم أبدها تأدّبا حنى رأيت ابن مالك رحمه الله في شرح التسهيل صرّح بها حيث قال اللّه من الأعلام التي قارن وضعها أل، وليس أصله الإله كما زعموا بل هو علم جامع لمعاني الأسماء الحسنى كلها، ولذا يقال لكل ما سواه الله بلا عكس، ولو لم يرد على من قال أصله إلا له إلا انه ادّعى ما لا دليل عليه لكان ذلك كافياً لأن الله، والإله مختلفان لفظاً ومعنى، أمّا لفظاً فلأنّ احدهما معتل العين والثاني مهموز الفاء صحيح العين واللام، فهما من مادّتين فرذهما إلى أصل
واحد تحكم من سوء التصريف، وأمّا معنى فلأنّ الله خاص به تعالى جاهلية واسلاما والإله ليس كذلك لأنه اسم لكل معبود ويوضحه قول الأنصاري :
باسم الإله وبه بدينا ولوعبدناغيره شقينا
ومن قال : أصله الإله لا يخلو حاله من أمرين لأنه إمّا أن يقول الهمزة حذفت ابتداء ثم أدغمت اللام، أو يقول نقلت حركة الهمزة إلى اللام وحذفت على القياس، وهو باطل لأنه ادعاء حذف بلا سبب ولا مشابهة ذي سبب من ثلاثيّ فذكر الفاء تنبيه على أنّ حذفها ابتداء أشد استبعاداً من حذف العين واللام لأنّ الأواخر وما يتصل بها أحق بالتغيير، وقولي بلا سبب تنبين على أنّ الفاء قد تحذف لسبب كواو عدة مصدر يعد حمل المصدر على الفعل فحذف للتشاكل، وقولي ولا مشابهة ذي سبب كرقة بمعنى ورق حذفت فاؤه بلا سبب لشبهه بعدة وزنا، إعلالاً ولو أنّ رقة بمعنى ورقة لتعين الحاقة بالثنائي المحذوف اللام نحو لغة، فإن قيل قد حذفت الفاء بلا سبب في الناس فإن أصله أناس، قلنا لو صح أنّ الناس مفرع على أناص لم يجز أن يحمل عليه غيره لأن الحمل عليه زيادة في الشذوذ وكثرة مخالفة الأصل بلا سبب ملجىء لذلك، فكيف والصحيح أن ناسا في أناس بمعنى من مادّتين مختلفتين نوس وأنس كاوقية ورقية وأمثاله كثيرة، وأمّا ادّعاء نقل حركة همزة إله إلى اللام فأحق بالبطلان لأنه يستلزم مخالفة الأصل من وجوه.
أحدها : نقل حركة من كلمتين على سبيل اللزوم ولا نظير له.
والثاني : نقل حركة همزة إلى مثل ما بعدها فيوجب اجتماع مثلين متحرّكين، وهو أثقل
من تحقيق الهمزة بعد ساكن لأنّ اجتنابه في الكلام آكد، وهو ملتزم إلا في أفعال الروية لأنّ العرب تلتزمه إلا تيم اللات.
، الثالث : من مخالفة الأصل تسكين المنقول إليه الحركة فيوجب كونه عملاَ كلا عمل وهو بمنزلة من نقل في بض، ولا يخفى ما فيه من القبح مع كونه في كلمة، فما هو في كلمتين أمكن في الاستقباح


الصفحة التالية
Icon