ج١ص٥٦
لاهت فما عرفت يوماً بجارحة يا ليتها خرجت حتى رأيناها
وقد اعترض عليه بما قاله الإمام من أنّ حقيقة الصمدية محتجبة عن العقول، ولا يجوز
أن يقال محجوبة لأنّ المحجوب مقهور وهو العبد، وأمّا الحق فقاهر ففي عبارة المصنف رحمه الله قصور أو خطأ، والصواب محتجب كما في بعض النسخ، وهكذا قاله الفاضل الليثي وغيره ( وأئا أقول ) في حكم ابن عطاء الله نفعنا الله به الحق ليس بمحجوب إنما يحتجب عن النظر إليه إذ لو حجبه شيء لستره، ولو كان له ساتر لكان لوجوده حاصر، وكل حاصر لشيء فهو لوجوده قاهر، وهو القاهر فوق عباده انتهى.
وفي الشفاء ما وقع في حديث الإسراء من ذكر الحجاب هو في حق المخلوق لا في حق الخالق، فهم المحجوبون والباري جل اسمه منزه عما يحجبه، والحجب إنما يحيط بمقدر محسوس، ولكن حجبه عن أبصار خلقه وبصائرهم، وإدراكاتهم بما شاء، وكيف شاء، ومتى شاء لقوله تعالى :﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ﴾ [ المطففين : ٥ ا ] انتهى. يعني أنّ الحجاب حقيقته المنع والستر، وانما يكون في الأجرام المحدودة، والله تعالى منزه عن ذلك، فهو إمّا تمثيل لمجرّد المنع عن رؤيته تعالى مشاهدة، وإحاطة أو هو في حق المخلوق دونه، حينئذ فالمحجوب يطلق على الخلق حقيقة، لأنهم حجبوا عن رؤيته أو قربه، أو نحو ذلك كما في قوله تعالى :﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ﴾ فإن أسند إليه تعالى كما ورد في الأحاديث، فهو تمثيل لارتفاع شأنه وعظمته كما صرحوا به، أو مجارّ عن منعه لهم فهو مانع وممنوع وانما الممنوع منع ما سواه له وفي الدرر والغرر لعلم الهدى قذس سرّه في قوله تعالى :﴿ مِن وَرَاء حِجَابٍ ﴾ [ الشورى : ٥١ ] أنه تعالى يوصف بالحجاب بمعنى الخفاء وعدم الظهور والعرب تستعمله بهذا المعنى فتقول بيني وبين هذا الأمر حجاب أي مانع وساتر انتهى. وفي شرج المواقف المحجوب مقهور، وهو عز شأنه منزه عنه وهو كما يصدق عليه أنه محتجب يصدق عليه أنه جعل ذاته محجوبا لأن الخفاء من فرط الظهور، فلا غبار على كلام المصنف كما سمعته، وقوله لها بفتحهما سان لأصله، وقيل : أصل لوها أولوها كما في الدرّ المصون فلا حاجة إلى القول بأن قلب ياء لبها الساكنة الفا على خلاف القياس،
وقد أثبت الكرماني ما ذكر بأنه قرىء في الشواذ وهو الذي في السماء لاه، والمصنف رحمه الله ثقة يعتمد نقله فلا يلتفت لما قيل أنّ لاه يليه لم يثبت في اللغة، وكذا كون لاه مصدرا، وقوله : مرتفع أي عال منز؟ عنا لا يليق بجانب كبريائه بيان للمعنى الثاني. قوله :( ويشهد له قول الثاعر :
كحلفة من أبي رباح يشهدها لاهه الكبار )
أنشده الفرّاء ولم يبين قائله وهو الأعشى كما في شروح الكتاب والشواهد، والأعشى
اسمه ميمون بن قيس وهو من قصيدة أوّلها :
ألم تروا ارما وعادا أفناهم الليل والنهار
وهي في ديوانه، وحلفة بفتح فسكون وفاء المرة من الحلف وهو اليمين، وهو شاهد للاه بمعنى إله.
وروى كدعوة، وأبو رباح براء مهملة مفتوحة وموحدة مفتوحة، وآخره حاء مهملة اسم
رجل من بني ضبيعة، وهو حصن بن عمرو بن بدر، وكان قتل رجلاً من بني سعد بن ثعلبة، فسألوه أن يحلف أو يدي، فحلف ثم قتل بعد حلفته، فضربته العرب مثلاً لما لا يغني من الحلف كما قاله ابن دريد في شرح ديوان الأعشى، ويشهدها بمعنى يحضرها ويطلع عليها، وروى يسمعها الواحد الكبار، وهو بضم الكاف، وتخفيف الباء هنا، ويجوز تشديدها في غيره كما قرىء به، وهو مبالغة في الكبير، والمراد بلاهه الكبار ضمه، وروى أيضاً لأهم الكبار بضم الميم، واستشهد به النحاة على مجيء لاهم في اللهم مخفف الميم في غير النداء لأنه فاعل، فلا يكون على بعض الوجوه شاهداً لما ذكره المصنف رحمه اللّه قيلى : والاستشهاد بما مرّ من اثقراءة الشاذة أولى. قوله :( وقيل علم لذاته الخ ) هذا معطوف على قوله : والله أصله إله أي هو علم بحسب أصله وضع ابتداء لذات مخصوصة، وليس باسم جنس، أو صفة غلب عليه حتى صار علماً كما مرّ قيل : ولا يخفى أنّ الأدلة المذكورة لا تفيد ذلك أصلاً، فلا يبعد أن يكون مراده بيان القول بالعلمية مع قطع النظر عن أنه مشتق


الصفحة التالية
Icon