ج١ص٥٧
أولاً فقد ثبت القول بالعلمية مع الاشتقاق أيضاً، فالمصنف بجد ما ذكر أنّ أصله له بمعنى المعبود، واشتقاقه نقل قولاً بالعلمية بعبارة جامعة بينهما، واستدل عليه ثم نفاه مطلتما، وقال : الحق إنه ليس كذلك بل هو باق على ما قلناه من المعنى واختص بالغلبة لا بالعلمية، ولو لم يحمل كلام المصنف على ذلك لم يكن في كلامه ذكر القول بالعلمية مع الاشتقاق والأصالة مع أنه المذهب المختار عند صاحب الكشاف وغيره، وهذا تكلف لا حاجة إليه، وستعرف انطباق الأدلة على المدعى مع أنه لا يهم المصنف ذلك لأنه ليس مختاراً له حتى يضرّه الخلل في أدلته وقوله :( لذاته ) إشارة إلى أنّ هذا
القائل لم يعتبر فيه صفة أصلاً، وبه صرّحوا وإن قال العلامة أنه ممنوع بل اعتبر فيه صفة كالذات المستجمعة للكمالات، أو المستحق لجميع المحامد، وسيأتي ما له وعليه فتدبر. قوله :( لأنه يوصف الخ ) قيل عليه إنّ هذا إنما يدلّ على كونه اسماً على كونه علماً مع أنّ الزمخشريّ صرّح في سورة فاطر بجواز كون لفظ الله صفة اسم الإشارة وودّ بأن الاختلاف وقع فيه بعد تسليم اختصاصه به تعالى، فموصوفيتة تقتضي ذلك اقتضاء راجحاً يكفي في مثله، وأمّا وصفه اسم الإشارة فعلى خلاف القياس لوقوعه بالجوامد في نحو ذلك الرجل وهذا الكتاب، ونيس المنظور فيه سوى رفع الإبهام فهو مستثنى مما ذكر، والزمخشريّ تفرّد بقياس العلم عليها فلا وجه لما ذكره، وأمّا قراءة العزيز الحميد الله بالجرّ، فقيل إنه عطف بيان لا صفة، وقوله لذاته المخصوصة استعمل الذات فيه تعالى بمعنى العين والحقيقة لأنه ورد إطلاقه عليه في الأحاديث الصحيحة نحو :" لا تتفكروا في ذات الله " فلا عبرة بمن أنكر إطلاقه على الله لأنه مؤنث وتفصيله في شرح الكشاف وغيره. قوله :( ولأنه لا بد له من اسم تجري عليه الخ ) أي يجعلها جارية عليه بأن تكون نعتاً له لأن العرب لم تاع شيئاً إلا وضعت له اسماً كما هو دأبهم وعادتهم، وليس هذا محالاً لأنّ المحال هو وجود صفة بدون موصوف لا بدون ما وضع له، وإنما هو أمر استقرائي استحساني، وكونه اسم جنس معرّفاً بأل، وإن كفى لكن الظاهر أن يكون خاصاً به وضعاً، وهو العلم وكونه علما منقولاً من الوصفية لا يكفي إذ عليه لم يكن له اسم في أصل الوضع تجري عليه صفاته. قوله :( ولأنه لو كان وصفاً الخ ا لأنه حينئذ موضوع لأمر كليّ، وكذا لو كان اسم جنس لأن ثبوت الأعم لا يقتضي ثبوت الأخص بقي أنه قيل عليه أنه لو كفى في التوحيد اختصاص المستثنى بذاته في الواقع فلا إله إلا الرحمن كذلك لاختصاصه به، وإن لم يكف واقتضى ما يعينه بحيث لا تجوز فيه الشركة لم يكن لا إله إلا الله كذلك لأنه لا يحضر ذاته لنا على وجه التشخص، وأجيب بأنّ الألفاظ تنوب في الشرع عن المعاني الموضوعة لها ألا ترى أنّ أنت طالق يفيد الطلاق، وإن لم يقصد فالله تعالى، وإن لم يمكن احضاره بذاته، لكن لفظة الله تنوب مناب احضاره، فنزل ذكوه في التوحيد منزلتة بخلاف الرحمن انتهى.
وردّ بأنه لا وجه للحكم بإيمان أحد بمجرّد لفظ لا يعرف معناه، وما توهمه في مسألة الطلاق فاسد إذ لا بدّ فيه من استعمال اللفظ واستحضار المعنى، ولذ لا يقع بسبق اللسان به ولا من النائم والأعجمي الذي لا يعرف مدلوله، نعم لا يعتبر فيه قصد إيقاع الطلاق لمن تلفظ به اختياراً مع علم معناه، وإن لم ينو إيقاعه، والقائل لم يفرق بين عدم اعتبار المعنى وعدم اعتبار قصده، والأقرب أن يقال إنه توحيد بالنظر للمشركين القائلين إنّ غير تعالى مستحق للعبادة لقطعه هذا الاستحقاق، وأمّا من اعتقد الشركة في وجوب الوجود، فلا نسلم الحكم بتوحيده بمجرّد تكدسه بهذه الكلمة، ولم ينقل عنه عليه الصلاة والسلام ذلك، وأمّا معاوضته
بقل هو الله أحد بأنه لو دلّ على التوحيد لم يكن لذكر الأحدية فائدة معه، فسيأتي ما يدفعه ثمة من تفسير الأحدية بعدم قبول التعدد بوجه من الوجوه وهو ليس من لوازم العلمية وأما ما قيل عليه من أنه لا يخفى ما فيه من الركاكة لأنّ وضع العلم لإحضار المسمى على ما وضع له، ولا شك في أن الله علم، وعدم حضور اللّه تعالى بشخصه لا ينافي علميته، والعجب كيف خفي عليه هذا مع ظهوره، فلا محصل له والعجب من ابن أمّه، وقد نقل عن المصنف هنا حاشية قال فيها نظر لجواز أن يكون التوحيد مستفادا من الشرع انتهى.
وغير خاف أن سرّ ما أفاده الشرع هو هذا، فإن فرقه بين إلا الله والا الرحمن لا بدّ له من
وجه، ولذا قيل كون لا إله إلا الله


الصفحة التالية
Icon