ج١ص٥٩
كلام العضد، وفيه على فرض تسليمه للبحث مجال.
أمّا أوّلاً : فإنّ الفرق بين الصمفة وأسماء المكان وما جرى مجراها بأن الذات في الأوّل
مبهمة دون الثاني مما لم يقم عليه دليل فإن ضاربا كما أنه ذات صدر عنها الضرب كذا مضرب مكان مّا وقع فيه الضرب حنى لو اعتبر خصوصيته كمدرسة، ومقبرة خرج عن بابه وألحق بأسماء الأجناس كما صرّحوا به، لا يقال لم يعتبر فيه مطلق الذات بل خصوصية كونه مكانا
دثبة الشهاب / ج ا / م ٧
لأنا نقول يلزم على هذا أنّ الصفات المخصوصة ببعض العقلاء أو بغيرهم خارجة عنها كمرضع وحائض وبازل ولا قائل به لا يقال لما أعلموا القسم الأوّل دون الثاني، واستتر فيه الضمير دلنا ذلك على أنهم لاحظوا خصوص الوصفية فيه، لأنا نقول يجوز أن يكون الثاني لما دل على المكان، وما ضاهاه ألحقوه بالجوامد مع أنّ ما ذكر أمور سماعية لا يلزم الوقوف على أسرارها، وقد استدلّ له بعض المحققين بأنّ شخصا لو فتح القفل بإصبعه لم يقل له مفتاح لأنه اعتبر فيه هيئة متعارفة وفيه نظر.
وأمّا ثانياً : فلان وصفه وعدم الوصف به يجوز أن يكون لإجرائه مجرى الأسماء كأجرع وأبطح وهو كثير في كلامهم.
وأمّا ثالثاً : فلأن الدابة بمعنى ما يدب مطلقاً لا شهة في أنها صفة وتخصيص العرف لها ببعض أفرادها لا يخرجها عن الوصفية ألا ترى أنّ مملوكا صفة لكل متصف بالمملوكية، وتخصيصه بالرقيق لا يخرجه عن الوصفية لاستتار الضمير فيه، وعمله في الظاهر نحو عندي رقيق مملوك نصفه، وليس هذا مناقشة في المثال ألا ترى قوله تعالى :﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ ﴾ [ الأنعام : ٣٨ ] حيث تعلق بها الجارّ والمجرور، ولا نقول قارورة في الدار متعلق الجارّ فقول المصنف وحمه الله إنه وصف لا يتأتى على تحقيق الشريف، إلا أن يكون غير مسلم عنده، ولذا قال بعضهم : يحتمل أن يكون مراده بالوصفية اعتباره المعنى مع الذات، وإن كانت الذات معينة، فيكون اسما اصطلاحيا، وهذا إذا لم يمتنع فهو بعيد جدّاً. قوله :( لكنه لما غلب عليه بحيث الخ ) الغلبة كما مرّ أن يكون للفعل عموم بحسب المعنى، فيحصل له بحسب الاستعمال تخصيص ببعض إفراده إمّا إلى حدّ التشخص، فيصير علماً كالنجم أولا فيصير اسماً غالباً كالكتاب للقرآن أو صفة غالبة كالرحمن وهو أعم من أن يستعمل في غيره نادرا أو لا، وتسمى غلبة تقديرية، وهذا جواب عما مز من أدلة العلمية وظاهره أنه استعمل في غيره ث ولفظ الله لم يستعمل في غيره اتفاقا، ويردّ بجعل مجموع المعطوف والمعطوف عليه، وهو قوله :( وصار الخ ) مدخول حيث، فاللازم عدم تحقق المجموع قبل العلمية، وانتفاء المجموع يتحقق بانتفاء المعطوف فقط إلا أنّ ظاهر قوله : صاو كالعلم إنه عنده ليس من الأعلام الغالبة أيضاً، ولا يجوز أن يكون مراده من العلم العلم الابتدائي لتبادره عند الإطلاق كما ذهب إليه بعض أرباب الحواشي، وادّعى أنّ المصنف رحمه الله ذهب إلى أنه من الأعلام الغالبة، ويبعده أنّ ما ذكر في نفي علميته مشترك بين الابتداء وغيره ولذا اختلف في قوله : كالثريا فعلى الأوّل هو تمثيل للعلم، وعلى هذا لما صار كالعلم، وسيأتي ما ينوّره. قوله :( مثل الثريا والصعق ) الثريا تصغير ثروي مؤنث ثرو إن جعل اسماً للنجم لكثرة كواكبه، ونقل علماً لامرأة أيضاً وكواكبها ستة أو سبعة كما قال :
خليلي إني للثريا لحاسه واني على ريب الزمان لواجد
تجمع فيها شملها وهي سبعة وأفقدمن أحببته وهوواحد
والصعق بفتح العين شدّة الصوت، وبكسر العين الشديد الصوت، والمتوقع للصاعقة والنازلة عليه، ولقب خويلد بن نفيل فارس بني كلاب، وتسكن عيته ويقال صعق كإبل لقب به لأنّ تميما أصابوا رأسه بضربة، فكان إذا سمع صوتا صعق أو لأنه اتخذ طعاماً فكفأت الريح قدره، فلعنها فأرسل الله عليه صاعقة، وهما وصفان في الأصل صارا علماً بالغلبة، والغلبة في الله، والثريا تقديرية، وفي الصعق تحقيقية. وقوله :( أجرى مجراه الخ ) فسره المصنف رحمه الله بما فيه غني عن غيره، وقد علمت حالة مما مرّ، وهذا جواب عن دليل العلمية بأنه يوصف ولا يوصف به، ومنه يعلم جواب ما معه برمته لأنه صار اسماً تجري عليه صفاته وتعين تعينا قطع الشركة وصح به التوحيد ويرد عليه أنه قبل العلمية لم يوصف به أصلاً إذا لم يسمع شيء إله فتدبر.


الصفحة التالية
Icon