ج١ص٦٤
من فعل بكسر العين ومن ليس من هذا الباب بل من باب حسن مع أنّ إطلاق غضبان عليه تعالى وارد وفي الحديث " سبقت رحمتي غضبي " ( ١ ( فأين سوء الآدب، ولذا لم يذكر المصنف رحمه الله تعالى سكران الذي مثل به الزمخشرقي، وفي تمثيله لرحيم بعليم مريض وسقيم الذي مثل الزمخشريّ إشارة إلى أنه من المتعدّي لإلحاقه باسم الفاعل دون الصفة المشبهة، وما قيل : من أنه جعل لازما بالنقل وهم، وما قيل من أنّ الرحمن معرّب وهو بالعبرية رخمانا بالمعجمة، ويدل عليه قولهم ما الرحمن لما سمعوه قول واه وما ذكر تعنت في الكفر كما بين في محله. قوله :( والرحمة في اللغة وقة القلب الخ ) قيل الانعطاف المقتضي للإحسان أمر روحاني، وانعطاف الرحم على ما
فيه جسمانيّ وبينهما مباينة تنافي أخذ أحدهما من الآخر فلا وجه قوله ومنه الرحم.
وأجيب بأنّ الانعطافين سببان للحفظ، فاستعيرت الرحمة لانعطاف الرحم، واشتق منها
اسم لها، وقيل : أنه أراد هنا بالانعطاف الميل الروحاني أعني الشفقة والرقة لا الجسماني لأنه ليس مفى الرحمة، وان كان مسبباً عنه ومشابها له، ومدلولاً لبعض ما يلاقيه في الاشتقاق كالرحم والميل الروحاني هو المقتضى للتفضل والإحسان يعني أنّ وصفه بالاقتضاء المذكور للاحتراز عن الجسماني، فإنه ليس معنى الرحمة كما صرح به بعضهم، وهذا كله واه، فاصغ لما يتلي عليك، فإنه ورد في الحديمف الصحيح ) الرحم شجنة من الرحمن " ( ١ ).
وقال الإمام القرطبيّ : إنه نص في الاشتقاق فلا مجال للشقاق.
وقال الراغب في معنى الحديث أنه تعالى لما جعل بين نفسه وبين عباده سبباً كما أنه
كتب على نفسه الرحمة لهم وأوجب في مقابلتها شكر نعمته لما كان هو السبب الأوّل في وجودهم وخلق قواهم، وقدرهم وسائر خيراتهم كذلك جعل بين ذوي اللحمة بعضهم مع بعض سببا أوجب على الأعلى التوقر على الأدنى، وعلى الأدنى توقير الأعلى فصار بين الرحم والرحمة مناسبة معنوية كما أنّ بينهما مناسبة لفظية، ولذا عظم شكر الوالدين، وقرنه بشكره لأنهما السبب الأخير في الوجود يعني أنّ بين الرحمة والرحم مع الاشتراك في الحروف مناسبة ومثابهة معنوية، وذلك كاف في صحة الاشتقاق كما يرشدك إليه تعريفه السابق، فإن لنا حالة روحانية تثبت للنفس وكيفية أخرى للقلب وحالة ثالثة جسمانية تشابه الأولى في الحفظ، وقد تنشأ وتتسبب شنها كما يثاهد في اعتناق الأحباب، وهؤلاء توهموا أنه لا بد من اتحاد معناهما، وهو من قصور النظر فلا يغرّنك ما هنا من الأوهام الناشئة من عدم، فهم المرام كقول بعض علماء ا أحصر أنّ المصنف إنما فصلها بقوله : ومنه إشارة إلى أنه مشترك مع الرحمة في المادّة لأ. أنه مشتق منها فافهم. قوله :( ومنه الرحم لانعطافها على ما فيها ) الرحم بفتح الراء وكسر الحاء موضمع يكون الولد فيه، وقد يخفف بتسكين الحاء مع فتح الراء وكسرها في لغة، وفي لغة بكسر الحاء اتباعاً للراء ثم سميت القرابة رحماً، وهي مؤنثة وقد تذكر. وقوله :( لانعطافها الخ ) إشارة إلى س ا بينهما من المشابهة، والمناسبة الكافية في صحة الاشتقاق كما عرفته. قوله :( وأسماء الله تعالى إنما تؤخذ الخ ) قيل المراد مطلق أسماء الله تعالى، أو المأخوذة من الرحمة، كالرحمن الرحيم وأرحم الراحمين، وكان المراد الثاني لكن سياق المصنف رحمه الله حيسئذ ركيك مخالف للظاهر.
وأمّا الأوّل : فغير صحيح لأنّ من أسمائه ما هو حقيقة من غير تأويل كالله الحيّ القاهر
العليم ونحوها، ومنها ما أطلق عليه استعارة ثم صار كالحقيقة فيه، ومنها ما هو مجاز بطريق آخر يعرفه من نظر في أسمائه الحسنى وشروحها وقيل إنه يعني أنه إذا أخذ اسم له تعالى مما ينبىء عن الانفعال المنزه هو عنه يؤخذ باعتبار غايته، وحاصله أنه يجعل مجازاً عنها بعلاقة السببية، نالرحمة والرقة سبب للتفضل والإحسان، ولو جعل مجازاً لمحن إرادة الإنعام لجاز، فإنها سبب للإرادة أولاً وللإنعام.
ثانياً : كما جعل الزمخشري الغضب مجازاً عن إرادة الانتقام فيما سيأتي فالحصر في
قوله : إنما تؤخذ الخ إضافيّ بالنسبة إلى المبادي أو المراد هي أفعال مثلاً، فإنّ إرادتها أيضاً من الغايات أو المراد بها المسببات وهي مسببة عن تلك الانفعالات انتهى.
قيل وإنما اعتبر التجوّز في مبدأ الاشتقاق دون المشتق لئلا يحتاج إلى بيان التجوّز في كل
فا يطلق عليه تعالى من المشتقات. أقول :( ما ذكره المصنف برمته من التفسير الكبير )، فالعهدة عليه إلا أنه كلام غير مهذب، ولذا


الصفحة التالية
Icon