ج١ص٦٥
اضطرب فيه كلام الحواشي، فإنه أطلق في الأسماء وليس على إطلاقه، وذكر أنّ مباديها انفعالات وغايتها المقصودة منها أفعال، وليس كذلك في كل اسم مؤوّل منها حتى ما نحن فيه، فإنّ الرحمة الشفقة والرقة وهي في الحقيقة كيفية لا انفعال، ولذا قيل إنّ الانفعال لازم لها لأنّ حصولها بتبعية المزأج الذي هو كيفية حاصلة من تفاعل البسائط بين فاعل ومنفعل، والله تعالى منزه عن ذلك كله، وقيل المراد بالإنفعال ما ليس بفعل الكيفيات، وليس هو بالمعنى المشهور، ثم إنه إذا جعل التأويل والتصرّف في مأخذ تلك الأفعال ومصادرها، كما قرّره أهل المعاني في الاستعارة التبعية، فهو غير جار هنا لأنه مجاز مرسل لا يحتاج للتبعية كما صرحوا به، فلذا اعتذر عنه بما مرّ مما لا يخلو عن شيء، وأيضاً من الأسماء ما أخذ باعتبار المبدأ كالسلام بمعنى معطى السلامة فيما قيل، فلذا قيل : إنّ المراد أن ما احتاج منها للتأويل يؤول بما يليق بجلاله، وأذا ظهر المراد سقط الإيراد، وما قيل من أنّ الأقرب هنا أن يقال أنه حقيقة شرعية لأنه يراد سنه الإنعام من غير أن تخطر رقة القلب بالبال لا ينافي ما ذكره باعتبار حقيقته اللغوية كما لا يخفى، وقوله قدس سره : إنه يجوز فيه أن يكون استعارة على سبيل التمثيل كما في الغضب فيه ما سيأتي بيانه. قوله ( أبلغ من الرحيم ) أي أكثر مبالغة، فهو أفعل من المزيد على خلاف القياس، لأنه سمع من العرب أو هو على قول الأخفش الذي جوّزه، وليس من البلاغة على القياس بمعنى أزيد بلاغة لأنّ البلاغة لا يوصف بها المفرد كما صرّحوا به إلا أن يقال : إنه اصطلاحيّ أو أغلبيّ، وأمّا إنّ المراد بغير المفرد المركب من الغير أو مع الغير كما قيل فتكلف، وقيل الرحيم أبلغ لتأخره.
وأنه يؤيده قول ابن المبارك الرحمن إذا سئل أعطى والرحيم إذا لم يسأل غضب وفيه
نظر، وقيل هما سواء وقيل كل أبلغ من وجه. قوله :( لأن زيادة البناء الخ ) هذه القاعدة أوّل من
أسسها ابن جنى في الخصائص وقرّرها في المثل السائر بما حاصله أنّ اللفظ إذا كان على وزن من الأوزان، ثم نقل إلى وزن آخر أكثر منه لا لغرض آخر لفظيّ، كالإلحاق فلا بد أن يتضمن المنقول إليه معنى أكثر مما تضمنه الأوّل لأنّ الألفاظ ظروف المعاني، فإفراغها في ظرف أوسع مما كانت فيه من غير فائدة عبث، وهذا مما لا نزاع فيه نحو خشن واخشوشن وقال : إنه لا بدّ أن يكون ذلك في فعل أو مشتق، وظنه بعضهم مطلقاً، فأورد عليه أنّ عليماً أبلغ من عالم مع تساويهما وأورد غيره نحو رجل ورجيل ثم اعتذر عنه بأنه زيادة نقص لا مبالغة كما قال بعض الشعراء يذم صديقاً له :
صحبته ولم يكن نظيري ~ نقصت إذا جعلته تكثيري
كما تزاد الياء للتصغير وله نظائر من كلام الأدباء المتظرفين وأطال فيه بما نحن في غنية
عنه، وأنت إذا تنبهت لأنّ القاعدة مخصوصة باكثر الذي نقلته العرب عن الأقل وغيرته عنه علمت أنّ أكثر ما أورد مدفوع بالتي هي أحسن وأنّ قوله قدس سره كغيره : إنه منقوض بمثل حذر وحاذر، وجوابه بأنّ شرطه بعد تلاقي الكلمتين في الاشتقاق اتحادهما في النوع كفرح فرحا وأنه أكثريّ، فلا نقض وبأن حذراً إنما كان أبلغ لإلحاقه في الثبوت بالأمور الجبلية كشره وفطن فجاز أن يكون حاذر أبلغ من حذر لدلالته على زيادة الحذر وان لم يدل على ثبوته ولزومه مع اندفاعه لا يخلو من الكدو فإنهم صرحوا بأنه قد كثر استعمال فعيل في الغرائز كشريف وكريم وفعلان في غيرها كغضبان وسكران، فيقتضي أنّ عليماً أبلغ، ولو من وجه وأن قوله أنّ حذرا يدل على الثبوت يقتضي أق حذرا صفة مشبهة، وقد صرح ابن الحاجب وغيره بأنه من أبنية المبالغة المعدودة من اسم الفاعل فهما متحدان نوعا، وعلى تسليم تخصيصه بالمشتقات لا يرد عليه شقدف وشقنداف للمحمل الصغير والكبير كما في الكشاف حتى يقال إنه أغلبيّ لما في القاموس من أنّ الشقدف مركب معروف بالحجاز وأمّا الشقنداف فليس من كلامهم، " ولا ينافيه نقل الزمخشريّ له عن بعض الإعراب لأنه قاله هزلاً وتمليحاً، ومثله لا تثبت به اللغة كما قيل لبعضهم لم صار الدينار خيراً من الدرهم والدرهم خيراً من الفلس فقال : لأنّ الفلس ثلاثة أحرف، والدرهم أوبعة والدينار خمسة، وقطع في كلام المصنف الأوّل مخفف الطاء، والثاني مشدد وكبار الأوّل بضم الكاف وتخفيف الموحدة،


الصفحة التالية
Icon