ج١ص٦٦
والثاني بتشديدها مبالغة في كبير بمعنى عظيم. قوله :( وذلك إنما ثؤخذ الخ ) إشارة إلى الزيادة المدلول عليها بزيادة البناء المستلزمة للأبلغية، وهي أمّا باعتبار الكمية في مبدأ الاشتقاق، وهو الرحمة والكمية العدد نسبة إلى كم بعد ما شدّدت ميمه جريا على القاعدة المعروفة في باب النسب والكيفية نسبة إلى كيف التي يسأل بها عن الحال الذي يسمونه مقولة الكيف، وكيفيتها جلالتها وعظمتها ونفاستها، وكثرة كميتها إمّ باعتبار كثرة افراد متعلقها من المرحومين، أو بتعدد ما تتعلق فيه من الدنيا والآخرة أو باعتبار كثرة ما يحصل به من النعم أو بكثرة زمانه الواقع فيه كزمان الآخرة
المؤبد، فهذه وجوه أربعة سيأتي شرحها وتمثيلها. قوله :( فعلى الأوّل قيل يا رحمن الدنيا الخ ) أي على اعتبار المبالغة في الكمية خص الرحمن بالدنيا دون الرحيم، فإنه خص بالآخرة لكثرة المرحومين فيها كما بينه المصنف رحمه الله، وهذا بناء على أنّ النعم فيها تعم المؤمن والكافر والبر والفاجر، وان كانت النعمة التامّة مخصوصة بالمؤمنين لاتصالها بسعادة الأبد، وقيل لا نعمة لله على كافر والصواب ما مرّ، فإن فلت كيف تختص رحمة الآخرة بالمؤمنين، وفد ورد في الحديث الشريف شفاعته ﷺ لعامّة الناس من هول الموقف ) ١ ) وأدهـ يخفف عنهم العذاب في الآخرة كما ورد في حق أبي طالب ( ٢ ( وارتضاه المصنف رحمه الله في سورة الزلزلة، فلو قال : لعموم رحمة الدنيا لجميع المؤمنين والكافرين خفت المؤنة قلت : قد أورد هذا بعضهم، وأجاب عنه بأنّ الكفار في الأوّل تبع غير مقصودين كيف، وهم بعد الموقف يلاقون ما هو أشد من هو له، فليس ذلك رحمة في حقهم، وتخفيف العذاب سما تردّد فيه المصنف رحمه الله، وعلى فرض تخفيفه قيل أنه ينزل من مرتبة من مراتب الغضب إلى مرتبة دونها، فليس رحمة من كل الوجوه، ولا ينافي العذاب فتدبر. قوله :) وعلى الثاني قيل يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا ) أي على اعتبار المبالغة في الكيفية قيل ذلك وبين بأن كثرة الجلائل تستلزم كثرة الجلالة، وهي كيفية النعم إلا أنه قيل عليه إنّ هذا يصح أن يكون بالاعتبار الأوّل لأنّ نعم الدنيا والآخرة تزيد على نعم الدنيا، وردّ بأنه يلزم أن يكون ذكر رحيم الدنيا بعده لغواً إذا لمراد معطى نعمهما كليهما، وقد حصل بإضافة الرحمن إليهما.
وأجيب عنه بأن لا نسلم أنّ المراد مجرّد ذلك بل مقصود القائل التوسل بكلا الاسمين المشتقين من الرحمة في مقام طلبها مشيراً إلى عموم الأوّل وخصوص الثاني، ويحصل في ضمته الاهتمام برحمته الدنيوية الواصلة إليه بالباعثة لمزيد شكره، وقد اعترض عليه بأنّ الوارد في الأحاديث المرفوعة كما رواه الترمذي والحاكم في دعاء مأثور فيه :" الهم فارج الهئم ى ف النمّ مجيب دعوة المضطر رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما أنت ترحمني فارحمني وحمة تغنيني بها عمن سواك " وليس الآخران مرويين ولا صحيحين حتى يستدل بهما والقول بأنّ المصنف لم يذكر أنهما واردان في الحديث، فيكفي كونهما من كلام السلف الأخيار ليس بشيء، وأمّا
احتمال أن يراد في الأوّل جلائل النعم، وفي الثاني دقائقها فلا يجدي. قوله :( لأنّ النعم الأخروية الخ ) الجسام جمع جسيم بمعنى عظيم ومعناه في الأصل عظيم الجسم، فاستعير لما ذكر أو أطلق عليه إطلاق المشفر والمرسن يعني أنّ إضافة الرحمن للدارين باعتبار ما فيهما من الجلائل، وإضافة الرحيم للدنيا، وان اشتملت على حلائل النعم ودقائقها باعتبار الثاني لأنه متمم لما قبله، ولذا أخر عنه كما سيأتي وقد عرفت ما فيه رواية ودراية فتدبر. قوله :( وإنما قذّم الخ ) أي قياس نظائره مما جمع فيه بين وصفين أحدهما أبلغ والقياس هنا بمعنى القاعدة أو اللائق المعقول قال قدس سره الأبلغ إذا كان أخصر مما دونه، ومشتملاً على مفهومه تعين في الإثبات الترقي وفي النفي عكسه، إذا لو قدّم كان ذكر الآخر عارياً عن الفائدة كما في عالم تحرير، واذا لم يكن الأبلغ مشتملاً على مفهوم الأدنى كالرحمن والرحيم إذا أريد بالأوّل جلائل النعم وبالثاني دقائقها يجوز كل من طريقي التتميم والترقي نظرا لمقتضى الحال، ولما كان الملتفت إليه بالقصد الأوّل في مقام العظمة والكبرياء عظائم النعم دون دقائقها قدم الرحمة وأردفه بالرحيم كالتتمة تنبيها على أن الكل منه لشمول عنايته ذرّات الوجود ير لا يتوهم أنّ المحقرات لا تليق به، فيستحيا أن يسألها


الصفحة التالية
Icon