ج١ص٩
مقعده من النار لأنه ما كان بمجرّد التشهي وما يتكلف فيه أو يجزم فيه بأنه مراد الله تعالى، والتفسير ما
كان برواية معتبرة، وفد يراد به مطلق التبيين ولهما معان أخر، ومن السلف من أنكر هذا الحديث لما رأى السلف والخلف على خلافه، ولا حاجة إليه كما عرفت، وما قيل من أنّ نسبة المتشابه إلى غيره تعالى تدلّ على أنّ المصنف رحمه الله تعالى لا يقف على إلا الله فيه أنّ من وقف فسر المتشابه بما استأثر الله بعلمه كوقت الساعة ومن لم يقف لا يفسر بذلك كما يسأتي قوله :( وأبرز غوامض الحقائق ) أبرز بمعنى أخرج وأظهر لأنه جعله في براز من الأرض أي مرتفع وغوامض جمع غامضة أو غامض بمعنى خفي لأن فاعلاً في الأسماء وصفات غير العقلاء يجمع على فواعل، واللطيف ضدّ الكثيف والحقيقة ماهية الشيء وكنهه ولا يخفي مناسبتها للغموض، لأن حقائق الأشياء تخفي معرفتها حتى تحتاج للنظر التام بخلاف المعرفة بوجه ومناسبة الدفائق وهي الأمور المحتاجة لدقة النظر للطائف في غاية الظهور أيضاً ومنهم من فسر الحقائق بعالم الشهادة الدقائق بعالم الغيب، أو نفس العوالم وأحوالها، والإضافة لامية، أو من إضافة الصفة إلى الموصوف، وعطفه بالواو لأنه لم يقصد به تفسير ما قبله ولو قصده لصح، أو لجعل مجموع الكشف والإبراز بياناً للتبيين قوله :( لتنجلي لهم خقايا الملك والملكوت الخ ) متعلق بقوله أبرز والإنجلاء الظهور والانكشاف، والملك بالضم التصرف في الأمور، وميأني تحقيقه والفرق بينه، وبين الملك بالكسر في سورة الفاتحة، وخفايا جمع خفية وهي ضدّ الظاهرة والملكوت عظيم الملك، لأنه مبالغة فيه كالرهبوت ولذا فسر الملك بعالم الشهادة، والملكوت بعالم الغيب، وهو عالم الأمر، وقيل : الملك ما يدرك بالحس والملكوت ما لا يدرك به، والخبايا جمع خبية من خبأته إذا سترته، وفي أمالي الغزالي : عالم الملك ما ظهر للحواس تميز بعضه من بعض بقدرته تعالى، والملكوت ما أوجده بالأمر الأزليّ بلا تدريج، وبقاؤه فوق الأوّل، وعالم الجبروت ما بينهما مما يصح أن يلحق بكل منهما انتهى، والقدس بضم القاف والدال، وتسكن الطهارة والتنزه عن دنس النقص وشوائبه، والجبروت القهر والكبرياء والعظمة ويقابله الرأفة، وفي القاموس : إنه تكبر من ليس لأحد عليه حق،
وإضافة القدس له لأنّ جبروت الله متنزه عن النقص بخلاف العباد فإن تجبرهم ظلم وتعدو في نسخة القدس، والجبروت بالعطف وهو أنسب بما قبله، والمراد أن تعرّفوا ما في قهره من الحكم والمصالح، فإنه بسورة باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، وفي الحواشي الليثية المراد بخبايا قدس الجبروت صفات الله تعالى، وذكرها بعد خفايا الملك والملكوت تخصيص بعد تعميم لزيادة شرفها، ويجوز عطف خبايا قدس الجبروت على غوامض الحقائق، والتخصيص لما ذكرنا، وجوّز أن يكون المراد بخبايا قدس الجبروت صفات الأفعال، ويؤيده قوله :( ليتفكروا ) فإنّ المناسب بحسب المعنى أن يكون الإبراز باعتبار تعلقه بالغوامض واللطائف معللاً بالتجلي، وباعتبار تعلقه بخبايا قدس الجبروت معللاً بالتفكر وان كان المناسب بحسب اللفظ عطفه على خفايا وحينئذ، فقوله ليتفكروا متعلق بتنجلي، وانما قلنا المناسب ذلك لأنّ صفات الذات وجمال الحضرة الإلهية، كما قاله حجة الإسلام في نهاية الإشراق والعقول لا تطيق النظر إليها إلا من آثار الصفات كما ترى الشمس إذا انكشف بعضها في طشت فيه ماء فكذا الأفعال واسطة لمشاهدة صفات الفاعل لئلا تبهر أنوار ذاته، وهذا سرّ قوله في الحديث " تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذاته " ) ( ولذا قال الأصفهانيّ في شرح قول المصنف في المطالع إبراز أسرار اللاهوت عن أستار الجبروت أنّ أسرار اللاهوت صفات الذات، وأستار الجبروت صفات الأفعال انتهى.
ولذا قال الدواتي في شرح الهياكل المراد بالجبروت عالم العقول ويسمى أيضا بالملكوت الأعلى والأعظم ذكره الشيخ في كتاب برنونامه. قيل : وإنما سمي به لأنها مجبورة على كمالاتها النظرية، ولأنه حفظها وجبر نقصها الإمكاني بحصول ما يمكن لها بالعقل انتهى، وقال القرطبيّ في " شرح الأسماء الحسنى ) : الجبروت التكبر وا العظمة ولما وقع هذا الاسم بين العزيز والمتكبر علم أن المراد به ذو الجبروت، وفي الحديث الصحيح أنه ﷺ قال في ركوعه وسجوده ص سبحان ذي الملك والملكوت سبحان ذي العزة


الصفحة التالية
Icon