ج٣ص١٤٩
فصار تعالوا نحو تقدموا ومنه قول أهل مكة تعالى بكسر اللام للمرأة في شعر الحمداني :
تعالي أقاسمك الهموم تعالي
والوجه فتح اللام انتهى. يعني أنّ فيه لغة بحذف لامه اعتباطا بالمهملة أي لغير علة لأنّ المحذوف لها كالموجود فتصير اللام كاللام فتضم كآخر الكلمة قبل واو الجمع وهذه لغة مسموعة فيه أثبتها ابن جني، وان كانت ضعيفة فلا عبرة بمن لحن الشاعر فيها كابن هشام،
واذا قرى بها فقد انقطع النزاع، وأصل معناه طلب الإقبال إلى مكان عال ثم عم، والشعر المذكور لأبي فراس الحرث بن أبي سعيد ابن عم سيف الدولة، وهو من الفصحاء الذين يجعل قولهم بمنزلة روايتهم، ويستأنس به وقد كان أسرته الروم فسمع هدير حمامة تنوح فقال :
أقول وقد ناحت بقربي حمامة أيا جارتا هل بات حالك حالي
معاذ الهوى ما ذقت طارقة النوى ولا خطرت منك الهموم ببالي
أتحمل محزون الفؤاد قوادم إلى غصن نائي المسافة عالي
أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا تعالي أقاسمك الهموم تعالي
تعالي تري روحا لد!يّ ضعيفة تردّد في جسم يعذب بالي
أيضحك مأسور وتبكي طليقة وبسكت محزون ويندب سالي
لقد كنت أولى منك بالدمع مقلة ولكن دمعي في الحوادث غالي
قوله :( هو مصدر أو اسم للمصدر ) كونه اسم مصدر عزاه مكي إلى الخليلى رحمه اللّه
لكنه غير ظاهر وإن لم يكن على المصنف فيه عهدة كما توهم، لأنّ فعولاً مصدر قياسي في اللازم كدخل دخولاً بالاتفاق وهذا لازم لأنّ صدّ يكون متعديا، ومصدره الصدود، وفي المتعدّي كلزمه لزوما، ودفنه دفونا فلا وجه لكونه اسم مصدر إلا أن يدعي أنه متعد حذف مفعوله أي يصدون المتحاكمين، ولا حاجة إليه وكونه مصدراً هو الصحيح لما ذكرنا ولذا قدمه المصنف رحمه الله، وقوله : يصدون في موضع الحال أي إن كانت رأي بصرية والا فهي مفعول ثان وقوله :( يكون حالهم ) إشارة إلى أنّ في الكلام مقدراً هو العامل في كيف وإذا ويحلفون حال من فاعل جاؤوك، وقوله : ما أردنا إشارة إلى أنّ إن نافية، وقوله : والتوفيق أي لم نرد بالمرافعة لغيرك عدم الرضا بحكمك بل أن تصلح بين هذين الخصمين، وعلى القول بأنه لحكاية أصحاب القتيل إذ المجرّد الظرفية دون الاستقبال. قوله :( أي عن عقابهم لمصلحة
في استيقائهم ) أي عدم قتلهم واهلاكهم، ورجح النحرير الوجه الثاني، ويلزمه الإعراض عن طلبهم دم القتيل لأنه هدر وليس وجها آخر كما قيل. قوله :( أي في معنى أنفسهم ) في نسخة شأن أنفسهم وهما بمعنى، وفي إعرابه ومعناه وجوه أحدها أنه متعلق بقل، ومعناه أمّا قل لهم خاليا لا يكون معهم أحد لأنه أدعى إلى قبول النصيحة، ولذا قيل النصح بين الملا تقريع، وأئا قل لهم في شأن أنفسهم، ومعناها قولاً بليغاً يبلغ ما يزجرهم عن النفاق، والظرفية على الأوّل حقيقية، وعلى الثاني من ظرفية اللفظ للمعنى ويؤثر فيهم عطف تفسيري ليبلغ منهم يعني يتمكن منهم من جهة الإبلاغ، والثاني تعلقه ببليغاً وسيأتي. قوله :( أمره بالتجافي الخ ( التجافي بمعنى التجاوز من تجافي بمعنى تباعد، وهو بناء على أحد معنى الإعراض! والنصح من الوعظ، وتعليق الظرف ببليغا ذهب إليه الزمخشري، ولم يرتضه المصنف رحمه الله لأنه مذهب الكوفيين، والمشهور مذهب البصريين أنّ معمول الصفة لا يتقدم على الموصوف لأنّ المعمول إنما يتقدم حيث يصح تقدم عامله عندهم، وقيل : إنه يصح إذا كان ظرفاً دون غيره، وقوّاه بعضهم وقيل إنه متعلق بمقدر يفسره المذكور، وفيه بعد. قوله :( والقول البليغ في الآصل الخ ( أي في أصل وضعه لغة لا اصطلاحا كما تقرّر في المعاني، وهذا معناه إذا أخذ من البلاغة على ما ارتضاه من تعلق إذا بقل وأما إذا تعلق ببليغا فهو من البلوغ أي يبلغ أنفسهم، ويؤثر فيها، ولم يتعرّضى له المصنف رحمه الله تعالى لمرجوحيته عنده.
قال الراغب البلاغة تقال في وجهين.
أحدهما : أن يكون بذاته بليغاً وذلك يجمع