ج٣ص١٦٠
في الإعجاز وعدمه، وهو اختلاف في أمرين لم يكن الاختلاف كثيراً بل المختلف فلذا أوّل به، والمصنف رحمه الله أشار إلى أنّ الاختلاف بالتناقض، وتفاوت النظم والفصاحة، وعدمها، وسهولة المعارضة وصعوبتها، والمطابقة للخارج وعدمها، والموافقة للعقل، وعدمها فعذد أنواعا منه إشارة إلى أنّ الكثرة في الاختلاف نفسه لا في المختلف لأنه لا داعي إليه كما مرّ لكن عدم الاختلاف فيما ذكره لا يدل على كونه من عند الله لجواز صدور كلام غير معجز ليى فيه شيء من هذا الاختلاف عن البشر كالأحاديث النبوية فلا يتضح الاستدلال الواقع في النظم، ولهذا حصره الزمخشرفي فيما مرّ ليكون دليلاً واضحا وقد شعر بهذا، وحاول دفعه بأنه وان جاز مثله لكن الاستقراء دل على خلافه، وفيه نظر والاستقراء غير تام. قوله :( للتنبيه على أن اختلاف ما سبق من الأحكام الخ ) جواب عن توهم أنّ النسخ فيه اختلاف مثل قوله : قبيل هذا كفوا أيديكم
مع كتب علينا القتال، وكل من عند الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك فلا يرد أنه إن أراد ما سبق من القرآن فغير ظاهر لأنه لم يسبق قريباً أحكام متناقضة وان أراد بما سبق ما كان قبل نزول هذه الآية مطلقا فلا وجه لإلرادها هنا. قوله :( مما بوجب الآمن أو الخوف الخ ) وجه التأويل ظاهر لأن الأمن والخوف نفسهما ما لم يجيا بل ما يقتضيهما، وقوله : لعدم حزمهم بحاء مهملة وزاي معجمة أي لا لفساد ونفاق وغيره، والتخويف في إذاعته مفسدة ظاهرة وكذا الظفر لأنّ العدوّ يستعد له فيقوّي شوكته. قوله :( والباء مزيدة ) في الكشاف يقال أذاع السرّ وأذاع به، ويجوز أن يكون المعنى فعلوا به الإذاعة، وهو أبلغ يعني أنه إذا جعل لازما يكون بمعنى فعلوا به الإذاعة، وهو أبلغ لأنه يقتضي تأثيره في المذاع، وكونه ثبت، وقرّ فيه سواء كانت الباء للتعدية أوبمعنى في على حد قوله :
تجرج في عراقيبها نصلي
وأمّا أن يكون مضمنا معنى التحدث فإن قيل أنه يكون لازماً، ومتعدياً فأظهر. قوله :
( ولو رذوا ذلك الخبر الخ ) مرجع الضمير الخبر المفهوم من الكلام ولو أرجعه إلى الأمر لكان أظهر، وضمير رأيه للرسول ﷺ، وذكر في تفسير الاية ثلاثة أوجه مبني الأوّل على أنّ مجيء الأمر وصول خبر السرايا إليهم، ورذه إلى الرسول ﷺ وأولى الأمر إلقاؤه إليهم وإخبارهم به من غير إذاعة، والعلم معرفة تدبيرة، والمصلحة فيه، ومبني الثاني على أن مجيء الأمر اطلاعهم على ما بالرسول ﷺ، وأولي الأمر من الأمن أو الخوف من قبل الأعداء، وردّه إليهم ترك التعرّض له أو جعله بمنزلة غير المسموع، والعلم معرفة كيفية التدبير، ومبني الثالث على أنّ مجيء الأمر سماع خبر السرايا من أفواه المنافقين، وردّه إليهم تركه موقوفاً إلى السماع منهم، والذين يستنبطونه هم المذيعون، والعلم معرفتهم بما ينبغي في ذلك الأمر من الإذاعة، وعدمها واستنباطهم إياه من الرسول ﷺ وأولي الأمر تلقيهم ذلك من قبلهم فمن على هذا
ابتدائية والظرف لغو متعلق بيستنبطون، وعلى الأوّلين تبعيضية أو بيانية تجريدية، والظرف حال، وإطلاق أولي الأمر على كبار الصحابة لكونهم المرجع فيه أو المظهر له، والاستنباط أصله استخراح الشيء من مأخذه كالماء من البئر والجوهر من المعدن، والمستخرج نيط بالتحريك فتجوّز به عن كل أخذ وتلق. قوله :( بإرسال الرسول ﷺ الخ ) خصه لأنه هو المانع عن الضلال ولأجل صحة الاستثناء لأنه اختلف في قوله إلا قليلا فقيل مستثنى من قوله : أذاعوه أو لعلمه واستدلّ به على أنّ الاستثناء لا يتعين صرفه لما تبله لأنه لو كان مستثنى من جملة اتبعتم فسد المعنى لأنه يصير عدم اتباع القليل للشيطان ليس بفضل الله، وهو لا يستقيم، ومن صرفه إليه كما هو المتبادر خص الفضل لأنّ عدم الاتباع إذا لم يكن بهذا الفضل المخصوص لا ينافي أن يكون بفضل آخر، ثم اختلفوا فمنهم من فسره بما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، والمعنى لولا بعثة الرسول ﷺ وانزال القرآن العظيم لاتبعتم الشيطان فكفرتم إلا القليل منكم فإنهم ما اتبعوا الشيطان، وما كفروا ولا أنكروا بعثه، ولا قرآنه كمن اهتدى إلى الحق في زمن الفترة كقس بن ساعدة وأضرابه، وقيل المراد به النصرة، والمعونة أي لولا تتابع النصرة