ج٣ص٢١٤
ما وقع عام الحديبية فهو محقق متقدّم فكيف يقال إن صدّوكم، وهو يقتضي استقباله، وعدم تحققه وإن أريد ما بعد الفتح فلم يقع صد بعده فذهب قوم إلى أنّ الآية لم تنزل بعد الحديبية فإنه غير متفق عليه ولئن سلم فهو للتوبيخ على الصذ الواقع يوم الحديبية، والدلالة على أنه كان ينبغي أن لا يكون وقوعه إلا على سبيل الفرض، والتقدير لقو!ه تعالى :﴿ إن كنتأ قوماً مسرفين ﴾ وجوّز أن يكون بتقديران كانوا قد صدوكم وقوله، ومن قرأ يجرمنكم الخ. وقع في نسخة مقدماً والصحيح هذه، وما ذكره نظرأ إلى أنّ الأصل أن تكون الهمزة للتعدية، والا فيجوز أن يكون من جرمته ذنبا للمبالغة، ولم يجعل جرمت، وأجرمت من المتعدي إلى واحد، وأن تعتدوا على حذف الجار لأنه الواقع موقع المفعول الذي يكون بلا واسطة البتة. قوله :( على العفو والإغضاء الخ ( الإغضاء عدم النظر إلى ما يكره، وفسر البرّ، والتقوى بهذا ليقابله بقوله، ولا تعاونوا الخ فإنه يدل على ذلك أو هو عام فالمراد بالبر متابعة الأمر مطلقا، وبالتقوى اجتناب الهوى، ولو عطف الثاني بأو لكان أظهر قال الطيبي، والثاني أظهر، وأولى لتصير الآية من جوامع الكلم، ويكون تذييلاً للكلام فيدخل في البر، والتقوى جميع مناسك الحج قال تعالى :﴿ فإنها من تقوى القلوب ﴾، والعفو والإغضاء أيضا، وفي
النهي عن الإثم والعدوان عدم التعرّض لقاصدي البيت الحرام دخولاً أوّلياً وعلى الوجه الأوّل يكون عطفا على، ولا يجرمنكم من حيث المعنى لأنه من باب لا أرينك ههنا كأنه قيل لا تعتدوا على قاصدي المسجد الحرام لأجل أن صدكم قريش عن البيت الحرام، وتعاونوا على العفو والإغضاء، ومن ثمّ قيل الوقف على أن تعتدوا لازم لأن الاعتداء منهيّ عنه، والتعاون على البرّ، والتقوى مأمور به، والتشفي طلب شفاء الصدر بالانتقام. قوله :( ما فارقه الروح من غير تذكية الخ ) والمراد حتف أنفه من غير سبب خارج عنه، والدم المسفوح الذي أسالوه، وأخرجوه بآلة والأمعاء جمع معى، وهي المصارين والإهلال رفع الصوت، والمراد به هنا ذكر ما يدّبح له، وقوله :﴿ من وقذته ﴾ إذا ضربته أصله أن تضربه حتى يسترخي، ومنه وقذه النعاس أي غلب عليه، وإنما قال في تاء النطيحة أنها للنقل لأنها المنطوح مطلقا مذكراً كان أو مؤنثا ولأن فعيلاً بمعنى مفعول لا تدخله التاء، وفسر ما أكل السبع بما أكل منه أي أكل بعضه لأن ما أكل كله لا يتعلق به حكم، ولا يصح أن يستثنى منه ما أدركه وذكى. قوله :( وهو يدل على أن جوارح الصيد الخ ) جوارج الصيد أعم من كلابه، وطيوره كالبازي، وهي في حكم السباع والحياة المستقرّة هي التي لا تكون على شرف الزوال قيل، وعلامتها أن تضطرب بعد الذبح لا وقت الذبح فإنه لا يحسب، وقوله :( من ذلك ) أي ما ذكر قبله من المنخنقة إلى هنا إذ لا يحتمل رجوعه إلى ما قبله، وعلى هذا لا تقيد المذكورات بقوله فماتت، والا لم يصح الاستثناء منها، وقوله :( في الشرع لقطع الحلقوم ) أي موضوعة له، وفي نسخة بقطع الحلقوم بالباء متعلق بالذكاة، والمريء مجرى الطعام، وتفصيل التذكية في الفقه. قوله :( النصب واحد الأنصاب ) معطوف على الميتة، واختلف فيها فقيل هي حجارة كانوا يذبحون عليها فعلى على أصلها، ولعل ذبحهم عليها كان علامة على كونها لغير إدلّه، وقيل هي الأصنام لأنها نصبت لتعبد. وعلى على أصلها أو بمعنى اللام، والنصب بضمتين جمع نصاب، وقيل هو مفرد
وقرئ بضم النون وتسكين الصاد تخفيفأ، وقرى بفتحتين وفتح فسكون. قوله :( الاستقسام بالأزلام الخ ) جمع زلم وهو القدح المضروب به لطلب ما قدر وقسم له، ولذلك سمي استقساماً، وقد بينه المصنف والغفل بضم الغين المعجمة، وسكون الفاء الذي لا سمت عليه لأنه أغفلت علامته، والمراد هنا أنه لم يكتب عليه قيل هذا من جملة الفأل، وقد كان النبيّ ﷺ يحب الفأل فلم صار فسقا، وحراما وأجيب بأنه كان استشارة مع الأصنام واستعانة منهم فلهذا صار حراما وأما أنه دخول في علم الغيب فلا نسلم أنّ الدخول في علم الغيب حرام، ومعنى استئثار الله بعلم الغيب أنه لا يعلم إلا منه، ولهذا صار استعلام الخير، والشرّ من المنجمين، والكهنة ممنوعا حراما بخلاف الاستخارة من القرآن فإنه استعلام من الله تعالى، ومن ينظر في ترتيب المقدمات أو يرتاض فهو لا يطلب إلا علم الغيب منه فلو كان طلب علم الغيب


الصفحة التالية
Icon