ج٣ص٢١٥
حراما لا نسد طريق الفكر والرياضة ولا قائل به، وقال الإمام رحمه الله تعالى لو لم يجز طلب علم الغيب لزم أن يكون علم التعبير كفراً لأنه طلب للغيب، وأن يكون أصحاب الكرامات المدعون للإلهامات كفاراً، ومعلوم أنّ كل ذلك باطل، وفيه أنّ ما ذكره من الاستخارة بالقرآن، وتبعه النحرير فقال إنهم أطبقوا عليه محل نظر فإنه لم ينقل فعله عن السلف، وقد قيل إن الإمام مالكا كرهه، ولم أر فيه نقلاً إلا أنه قال في فتاوى الصوفية نقلاً عن الزندوستي أنه لا بأس به، وأنه فعله معاذ، وعليّ رضي اللّه تعالى عنهما وروي عن عليّ كرم الله وجهه أنه قال : من أراد أن يتفاءل بكتاب الله فليقرأ قل هو الله أحد سبع مرّات وليقل ثلاث مرّات اللهم بكتابك تفاءلت، وعليك توكلت اللهم أرني في كتابك ما هو المكتوم من سرّك المكنون في غيبك ثم يتفاءل بأوّل الصحيفة ا هـ، وفي النفس منه شيء.
وفي كتاب الأحكام للجصاص أنّ الآية تدلّ على بطلان القرعة في عتق العبيد لأنها في
معنى ذلك بعينه إذ كان فيه إثبات ما أخرجته القرعة من غير استحقاق لأن من أعتق أحد عبيده عند موته، ولم يخرجوا من الثلث، وقد علمنا أنهم متساوون في استحقاق الحرّية ففي استعمال القرعة إثبات حرّية غير مستحقة، وحرمانها من هو مساو له فيها كما يفعله صاحب الأزلام فإن قيل قد جاءت القرعة في قسمة الغنائم، وغيرها وفي إخراج النساء قيل له إنما القرعة فيها التطييب نفوسهم، والبراءة من التهمة في إيثار البعض، ولو اصطلحوا على ذلك جاز من غير قرعة وأما الحرّية الواقعة على واحد منهم فغير جائز نقلها عنه إلى غيره، وفي استعمال القرعة نقل للحرّية عمن وقعت عليه، واخراجه منها مع مساواة غيره فيها اهـ.
( أقول ) هذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى وأصحابه، والشافعيّ خالفهم فيه وروي فيه
أحاديث صحيحة، وله فيه تصنيف مستقل قرأناه رواية عن مثايخنا، ويؤيده وقوعها في القرآن من غير دليل ناسخ وأما القرعة في غير العتق فمتفق عليها. قوله :( وقيل هو استقسام الجزور الخ ) هذا هو الميسر، وسيأتي بيانه، ورجح هذا بعض المفسرين، ولأنه يناسب ذكره مع محرمات الطعام فمعناه طلب قسم من الجزور أو ما قسمه الله له، وقوله : لأنه دخول في علم الغيب مرّ ما فيه، وقوله : أو إلى تناول ما حرّم أي إشارة إلى تناول المحرمات من المآكل المعلوم من سياق ما قبله فرجع إلى جميع ما قبله، وشمل الاستقسام. قوله :( أراد به الحاضر وما يتصل به من الآرّمنة الآتية ) وأسقط قوله في الكشاف الماضية إذ لا معنى له هنا، وهو منصوب على الظرفية بيئس، وليست اللام فيه للعهد كما يقال : كنت بالأمس شابا، وأنت اليوم أشيب أو هي للعهد، المراد يوم نزول الآية الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى ورواه الشيخان عن عمر رضي الله تعالى عنه، واليأس عدم الرجاء، وأشار إلى تقدير مضاف فيه لأنّ اليأص ليس من نفس الدين بل من إبطاله أو غلبته بأن يغلبوكم عليه، وقوله : أن يظهروا عليكم راجع إلى الوجهين، وان كان على الثاني أظهر، وقوله : فلا تخشوهم متفرّع على اليأس، وإظهار الخشية فيه يفهم من نهيهم عن خثية غيره. قوله :( بالنصر والإطهار على الأديان كلها الخ ( لأنهم بالنصر، والقوّة يجرون أحكام الدين من غير مانع، وبه تمامه أو المراد إتمام الدين في نفسه لبيان ما يلزم بيانه، ويستنبط منه غيره، وهذا رد على من قال إنّ الآية تبطل القياس، وإليه أشار بقوله، وقوانين الاجتهاد. قوله :( بالهداية والتوفيق الخ ) أي بإتمام الهداية، والتوفيق بإتمام سببهما، والا فهما حاصلان قبل ذلك ومنار الجاهلية استعارة لأمورها من مناسكهم، وغيرها. قوله :( اخترته لكم الخ ) يعني أنه نظر فيه إلى معنى الاختيار، ولذا عدى باللام، ومنهم من جعله صفة لدين قدم عليه فانتصب حالاً، والإسلام وديناً مفعولاً رضيت إن ضمن معنى صير أو دينا منصوب على الحالية من الإسلام أو تمييز من لكم فإن قيل ما وجه تقييد رضا الإسلام
بقوله اليوم لأنه معطوف على أكملت، وهو مرضيّ قبل ذلك وبعد. قيل المراد برضاه حكمه باختياره حكما أبديا لا ينسخ، وهو كان في ذلك اليوم وقوله :﴿ وهو الدين عند اللّه لا غير ﴾ جملة حالية مقيدة للدلالة على ما ذكر فافهم. قوله :( متصل بذكر المحرّمات الخ ) الاضطرار الوقوع في الضرورة، وقوله : وحرمتها من جملة الدين الخ إشارة إلى أنّ الاعتراض بذكر أمر الدين يؤكد