ج٣ص٢٢٤
المراد بتأكيد الشرط التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي، وتعليق الوعد العظيم به وأنه خفي على النحرير فليس بشيء لأنّ كل ماض يقلبه الشرط مستقبلا ومثله لم يعدوه تأكيدا فتدبر. قوله :( ضلالاً لا شبهة فيه ولا عذر معه الخ ) كونه لا شبهة فيه مأخوذ من سواء السبيل أي وسط الطريق وحاقه وهو ما يظهر غاية الظهور، وما كان كذلك لا عذر معه لا من قد والتعبير بالماضي كما قيل، وهذا جواب عما يقال إن الكفر قبل ذلك وبعده ضلال فما وجه التقييد، ومعذرة مصدر ميمي بمعنى عذر. قوله :( طردناهم ) حقيقة اللعن في اللغة الطرد والإبعاد فاستعماله بالمعنيين الآخرين مجاز باستعماله في لازم معناه، وهو الحقارة بما ذكر لكنه لا قرينة في الكلام عليه. قوله :( لا تنفعل عن الآيات والنذر ) النذر جمع نذير وتنفعل بمعنى تتأثر، وكون قسية مبالغة لكونه على وزن فعيل، وقوله : إنّ الدرهم القسي بمعنى الرديء من القسوة هو الظاهر، وقيل : إنه غير عربيّ بل معرّب وقوله : نصيبا وافيا يؤخذ من التنوين فإنه يفيد التكثير والتعظيم. قوله :( اس!شاف لبيان قسوة قلوبهم الخ ) والحالية إما من مفعول لعناهم أو من المضاف إليه قلوبهم، وأما جعله حالاً من القلوب أو من ضميرها في قاسية كما قاله أبو البقاء فلا يصح لعدم العائد منه وجعل القلوب بمعنى أصحابها مما لا يلتفت إليه، والتعبير بالمضارع فيه للحكاية واستحضار الصورة، وقوله : وتركوا إشارة إلى أنّ النسيان بمعنى الترك وهو يستعمل بهذا المعنى كثيرا وقوله فزلت أي سقطت وضمير شؤمه للتحريف، وفي معنى ما روي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قول الإمام الشافعيّ رضي اللّه عنه ورحمه :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصى
وأخبرني بأن العلم نور ونور اللّه لا يهدى لعاصتي
وهذا رواه أحمد رحمه الله في مسنده. قوله :( خيانة الخ ) يعني خائنة إما مصدر على
وزن فاعلة كالكاذبة أو اسم فاعل موصوفه المقدر فرقة فلذا أنث أو المراد به خائن والتاء للمبالغة وان كانت في فاعل قليلة ولذا أخره، وكون الخيانة دأب أسلافهم يعلم من وصفهم بالتحريف وما معه ودأبهم لأنه لا يزال يشاهده منهم فلا يرد ما قيل إنه لا دلالة في النظم على إسلافهم وقيل إنه مستفاد من جعل ضمير منهم لهم ولإسلافهم وجعل الاطلاع أعم من الاطلاع بالمشاهدة والأخبار وهو تكلف لا حاً جة إليه وكذا ما قيل إن ما يشاهد منهم علم أنهم ورثوه من أسلافهم، وقوله نسخ بآية السيف بناء على في أن هذه السورة منسوخاً وأنها نزلت قبل براءة وهو قول مشهور، وقوله فصلا عن العفو عن غيره مر الكلام في لفظه ومعناه فتذكره. قوله :( أي وأخذنا من النصارى ميثاقهم كما أخذنا ممن قبلهم الخ ) في هذا التركيب وجوه ذكرها المعربون فقيل من متعلقة بأخذنا وتقديره، وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم فيقدر مقدما ليعود الضمير إليه فهو راجع إلى الموصول أو هو عائد على بني إسرائيل الذين عادت إليهم الضمائر السابقة كقولك أخذت من زيد ميثاق عمرو أي مثل ميثاقه، وبهذا الوجه بدأ الزمخشريّ وعبارة المصنف رحمه الله ظاهرة في الأوّل وتحتمل الثاني، أو الضمير عائد على مبتدأ محذوف أخذنا صفته ومن الذين خبره أي من الذين قالوا إنا نصارى قوم أخذنا منهم ميثاقهم، أو المبتدأ من مقدرة موصولة أو موصوفة أي من أخذنا ميثاقهم بناء على جواز حذف الموصول وإبقاء صلته وهو مذهب الكوفيين، وتقدير قوم هو الذي أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله وقيل الخ وما قيل إنّ قرينة هذا التقدير قوله تعالى :﴿ ميثاقهم ﴾ إذ!ولاه لقيل الميثاق ووجهه على عدم التقدير تأكيد نسبة الميثاق إليهم من عدم الوقوف على المراد. قوله :) وإنما قال قالوا إنا نصارى الخ ) أي كان الظاهر أن يقال ومن النصارى بدون إطناب، ولم يرد هذا التعبير عنهم به في غير هذا الموضع، وفي الكشاف إنما سموا أنفسهم بذلك اذعاء لنصرة الله وهم الذين قالوا لعيسى ﴿ نحن أنصار اللّه ﴾ ثم اختلفوا بعد نسطورية ويعقوبية وملكانية أنصارأ للشيطان لكن الذي في اللغة والتواريخ أن عيسى ﷺ، ولد في سنة أربع وثلثمائة لغلبة


الصفحة التالية
Icon