ج٣ص٢٢٥
الإسكندر في بيت لحم من القدس، ثم سارت به أمه إلى مصر ولما بلغ ثنتي عشرة سنة عادت
به إلى الثأم فأقام ببلدة تسمى الناصرة أو نصورية، وبها سميت النصارى ونسبوا إليها وقيل إنهم جمع نصران كندامي وندمان أو جمع نصريّ كمهريّ ومهاري والنصرانية والنصرانة واحدة النصارى، والنصرانية أيضا دينهم، ويقال لهم نصارى وأنصار، وتنصر دخل في دينهم وهذا وجه آخر في تسميتهم نصارى بدليل أنه يقال لهم أنصار أيضاً فلم يسمهم الله نصارى بل ذكر أنهم لقبوا بذلك أنفسهم وأفعالهم تقتضي نصرة الشيطان لا نصرة اللّه فعدل عن الظاهر ليصوّر تلك الحال في ذهن السامع ويقرّر عندهم أنهم ادّعوا نصرة دين الله نحو قوله تعالى ﴿ وراودته التي هو في بيتها ﴾ عدل عن اسمها لزيادة المراودة، وفي الانتصاف لما كان المقصود من هذه الآية ذمهم بنقض الميثاق المأخوذ عليهم بنصرة الله، وبما يدل على أنهم لم يوفوا بما عاهدوا عليه من النصرة عدل عن قوله النصارى إلى هذا فحاصل ما صدر عنهم قول بلا فعل.
( وعندي ) أنه لو قيل في وجهه إنهم على دين النصرانية، وليسوا عليها لعدم علمهم بموجبها ومخالفتهم لما في الإنجيل من التثير بنبينا ﷺ لكان أقرب من بيان وجه التسمية الذي ذكره. قوله :( فألزمنا الخ ( أي أصل معنى الإغراء الإلصاق، ومنه الغراء المعروف فاستعمل في لازم معناه وهو الإلزام للعداوة بأن صاروا فرقا يكفر بعضهم بعضاً، والتسطورية هم الذين قالوا بأن أقنوم العلم اتحد بجسد المسيح ﷺ بطريق الإشراق كاشراق الشمس من كوّة على بلور واليعقوبية قالوا : إنّ هذا الأقنوم اتحد بجسد المسيح ﷺ وصار لحماً ودما، والملكانية قالوا انتقل أقنوم العلم إلى جسد المسيح ﷺ وامتزج امتزاج الخمر بالماء وتفصيل هذا في الملل والنحل، وقوله : بالجزاء والعقاب إشارة إلى أنّ الأنباء مجاز عن وقوع ذلك وانكشافه لهم لا أنّ ثمة إخباراً حقيقة. قوله :) ووحد الكتاب لأنه للجنس ) فيطلق على الوأحد والاثنين وما فوقهما وجملة يبين لكم حالية من رسولنا، وقوله : في التوراة متعلق بنعت محمد ﷺ وآية الرجم وهذا معنى اسم الجنس، وهو اسم جامد يطلق على الواحد وما فوقه كالماء والتراب. قوله :( أو عن كثير منكم فلا يؤاخذه الخ ) هذا مرويّ عن الحسن لكن قال النحرير : إنه مخالف
للظاهر لفظا ومعنى ووجهه أنّ الظاهر أنه كالكثير السابق، وفيه نظر لأنّ النكرة إذا أعيدت نكرة فهي متغايرة. قوله :( يعني القرآن الخ ) فعلى هذا النور والكتاب واحد وتسميته نور الكشفة وإظهاره طرق الهدى واليقين، وقوله الواضح الإعجاز إشارة إلى أنّ المبين من أبان اللازم بمعنى ظهر وترك تفسيره بالمتعدي وابانته لما خفي لأنه يتكرّر حينئذ مع النور، وقد أشار إليه في الكشاف، وعلى تفسير النور بالنبيّ-ش!ر لظهوره بالمعجزات واظهاره للحق فالمبين حينئذ يحتمل وجهين الظاهر والمظهر ولا تكرار فيه وقوله : لأنّ المراد بهما واحد على التفسير الأوّل للنور وكونهما كالواحد لاتحاد ما بيناه على التفسير الثاني فهو لف ونشر مرتب. قوله :) طرق السلامة الخ ) يعني أنّ السلام مصدر بمعنى السلامة أو اسمه تعالى وضع موضع المضمر ردا على اليهود والنصارى الواصفين له تعالى بالنقائص واستعارة الظلمة للكفر والنور للإسلام ظاهرة، وقوله : أنواع الكفر إشارة إلى وجه جمع الظلمات وتوحيد النور والمراد بالإذن الإرادة أو التوفيق كما مرّ وجهه. قوله :( طريق هو أقرب الطرق إلى اللّه الخ ( كونه كذلك ظاهر وفيه نكتة وهو أنه إذا كان لمقصد طريقان أحدهما مستقيم والآخر غير مستقيم فلا بد أن يكون المستقيم أقرب واعتبر ذلك بالقوس والوتر وهذا يسمى بالشكل الحماري في الهندسة والمستقيم يتصل به، وغيره قد لا يتصل به فإنه قد يعوج تقعيراً وتحديباً وهو وجه دلالة الاستقامة على القرب. قوله :( هم الذين قالوا بالاتحاد منهم الخ ) قال الزمخشرقي : معناه بت القول على أنّ حقيقة الله هو المسيح لا غير قيل كان في النصارى قوم يقولون ذلك وقيل ما صرحوا به، ولكن مذهبهم يؤدّي إليه حيث اعتقدوا أنه يخلق ويحيي ويميت ويدبر أمر العالم اهـ يعني لما حمل الشخصي على الشخصي مع ضمير الفصل والتأكيد اقتضى الاتحاد والفصل هنا لمجرّد التأكيد لحصول! القصر، بدونه ولأنّ القصر هنا