ج٣ص٢٣٦
أعجز واريت، وقيل هو من قبيل أتعصي ربك فيعفو عنك بالنصب لينسحب الإنكار التوبيخي على الأمرين، ويشعر بأنه في العصيان، وتوقع العفو مرتكب لما يحالف العقل حيث جعل سبب العقوبة سبب العفو، ويكون التوبيخ على هذا الجعل فكذا هنا نزل نفسه منزلة من جعل العجز سبب المواراة دلالة على التعكيس المؤكد للعجز عما اهتدى إليه غراب، ومن يكن الغراب له دليلا كفى به خائبا خاسراً، والثاني مسلك المدقق في الكشف وزاد فيه فإن قلت الإنكار التوبيخي إنما يكون على واقع أو متوقع فالتوبيخ على العصيان، والعجز له وجه إما على العفو، والمواراة فلا قلت التوبيخ على جعل كل واحد سبباً أو تنزيله منزلة من جعله سبباً لا على العفو، والمواراة فافهم، وقد أشار إليه في سورة الزمر، و!ل عليه أنّ الثاني في نجاية البعد والأوّل غير صحيح لأنه لا يكفي في النصب سببية النفي بل لا بد من سببية المنفي ألا ترى أنّ ما تأتينا فتحدثنا مفسر عندهم بأنه لا يكون منك إتيان فتحدث لا بأن لم تأتنا فتحدثنا، والجواب عنه أنه فرق بين ما نصب في جواب النفي، وما نصب في جواب الاستفهام، والكلام في الثاني فكيف يرد الأوّل نقضاً، ولو جعل في جواب النفي لم يرد ما ذكره أيضا لأنه لا حاجة إلى أخذ النفي من الاستفهام الإنكاري مع وضوح تأويل عجزت بلم أهتد، وقد قال في التسهيل أنه ينتصب في جواب النفي الصريح، والمؤوّل، وما نحن فيه من الثاني فتأمّل، وقال ابن عرفة في تفسيره ما في سياق شيء له حكمه وتقدير شرط مأخوذ منه فالتقدير إن كنت مثل هذا الغراب أوار الخ، وهو كلام دقيق. قوله :( وقرئ بالسكون على فأنا أواري الخ ( أي أنه مستأنف، وهم يقدرون المبتدا لإيضاح القطع عن العطف وأمّا تسكين المنصوب فكثير، ولا عبرة بقول أبي حيان أنه ضرورة. قوله :( نأصبح من النادمين على قتله الخ ) أصبح هنا بمعنى صار، وكابد بمعنى قاسى، ولقي ما يؤلم كبده، وقوله : ما كنت عليه وكيلا أي أنا لم أكن مأموراً بحفظه، وقد مز أنّ الوكيل بمعنى الحافظ، وقوله : ومكث سني آدم عليه الصلاة والسلام، وعدم الظفر الخ بالجرّ عطف على ما كابد وهو تزوجه بتوأمته.
تنبيه : في الكشاف بعد هذا وروي أنه رثاه بشعر، وهو كذب بحت، وما الشعر إلا
منحول ملحون، وقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلهم معصومون من الشعر، والشعر المذكور هو قوله :
تغيرت البلادومن عليها فوجه الأرض مغبر قبيح
تغير كل ذي لون وشكل وقل بشاشة الوجه المليح
وقال الشراح المليح إن رفع فخطأ لأنه صفة الوجه المجرور، وان خفض فأقواء، وهو
عيب قبيح، وان كثر وقول من قال الوجه فاعل قل، وبشاشة منصوب على التمييز بحذف التنوين إجراء للوصل مجرى الوقف ألحن، وقيل إنّ آدم عليه الصلاة والسلام رثاه بكلام منثور بالسرياني فلم يزل ينقل إلى أن وصل إلى يعرب بن قحطان، وهو أوّل من خط بالعربية فنظر فيه فقدم، وأخر وجعله شعرا عربيا.
( قلت ا لا شك أن لوائح الوضع عليه لائحة لركاكته لكن ما استصعبوه من الأقواء، وترك التنوين ليس بصعب لما في أشعار الجاهلية، والشعراء من أمثاله مع أنه قد يخرج بأنه نعت جرى على المحل لأنّ الوجه فاعل المصدر، وهو بشاشة، وقيل إنه مرفوع، وقد سمع كالجر. قوله :( بسببه قضينا عليهم ) سبب هو معنى أجل كما سيذكره والضمير راجع للقتل أو لما ذكر من القصة، وقضينا تفسير لكتبا ومن ابتدائية متعلقة بكتبنا، وقيل بالنادمين، وكتبنا استئناف، واستبعده أبو البقاء، والأجل بفتح الهمزة، وقد تكسر أصل معناه الجناية ولذا يقال بمعناه من جراك أي من جريرتك فلا يخفى حسن موقعه هنا، ثم اتسع فيه فاستعمل لكل سبب هكذا حققه أكثر اللغويين وجراً يمد وقصر وراؤه مشددة، وقد تخفف، وضمير أنه للشأن، ومن شرطية والباء في بغير للمقابلة متعلقة بقتل أو حال بمعنى متعدياً ظالما، وفساد بالجر معطوف على المضاف المحذوف أو على المذكور إن لم يقدر ٠ قوله :( من حيث إنه هتك حرمة الدماء
الخ ( يعني أنّ جميع الناس مشتركون في الكرامة على الله، والاحترام عند الله فمن قتل واحداً منهم فقد نفى كراهة الله وهتك حرمته


الصفحة التالية
Icon