ج٣ص٢٧٢
إليه فإنّ قوله وفي العذاب هم خالدون جملة حالية مقدرة، ومثله يفسر معناه بتأويل المصدر فإذا قلت جاء زيد، والأمير راكب معناه وقت ركوب الأمير، ولا يحتاج إلى حرف مصدري فإنه توجيه للمعنى، وكسب متعد بمعنى أولاهم السخط، والخلود، والحال قيد تنشأ من عاملها وتتسبب عنه نحو طلعت الشمس، وهي منيرة فتدبر، وقوله إذ الإيمان يمنع ذلك أي يمنع موالاة المشركين، وفسر الفسق بالخروج لما مرّ. قوله :( لشذّة شكيمتهم وتضاعف كفرهم الخ ) يقال فلان شديد الشكيمة إذا كان لا ينقاد لأحد، وأصل معنى الشكيمة الحديدة التي توضعفي فم الفرس فإنه إذا كان حروفاً جعلت غليظة شديدة لتضبطه فلذا استعير للحمية والأنفة قال :
أنا ابن سيارعلى شكيمه إنّ الشراك قدمن أديمه
قال في الأساس، وهذا من الإيماض في الاستعارة إلى أصلها حيث جعل المزاولين للعدّ ملجمين، وتضاعف الكفر زيادته، والركون الميل، والتمرّن الاعتياد. قوله :( الذين قالوا إنا نصارى للين جانيهم الخ ) في الانتصاف لم يقل النصار! مع أنه أخصر تعريضا بصلابة اليهود في الكفر، والامتناع عن الانقياد لأنّ اليهود لما قيل لهم ادخلوا الأرض المقدّسة قالوا :﴿ فاذهب أنت وربك فقاتلا ﴾ [ سورة المائدة، الآية : ٢٤ ]، والنصارى :﴿ قالوا نحن أنصار اللّه ﴾ [ سورة آل عمران، الآية : ٥٢ ] فلذلك سموا نصارى فأستد إلى قولهم هنا تنبيهاً على انقيادهم، وهناك تنبيها على أنهم لم يثبتوا على الميثاق فهذا سره. قوله :( وإليه أشار بقوله ذلك بأنّ منهم قسيسين الخ ) وجه الإشارة أن كون بعضهم له اهتمام بالعلم، والعمل وجملتهم لا يستكبرون عن الحق يقتضي كون جملتهم أقرب إلى الحق، وأهله وقيل إنّ مذهب اليهود أنه يجب إيصال
الثر إلى من خالف دينهم بأقي طريق كان من القتل، وغيره وهو عند النصارى حرام، ولذا ورد في الحديث :" ما خلا يهودي بمسلم إلا هتم بقتله ". قوله :( والفيض انصباب عن امتلاء الخ ( يعني معناه تمتلئ من الدمع حتى تفيض لأنّ الفيض أن يمتلئ الإناء حتى يسيل ما فيه عن جوانبه فوضع الفيض موضع الامتلاء بإقامة السبب مقام المسبب أو قصد المبالغة فجعلت أعيهم بأنفسها تفيض من أجل البكاء، والدمع يكون مصدر دمعت العين واسما لما يسيل منها، وفي الانتصاف أنّ هنا ثلاث اعتبارات أبلغها هذه.
فالأولى : فاض دمع عينه، وهي الأصل.
والثانية : فاضت عينه دمعا حوّل الإسناد إلى العين مجازا، ومبالغة ثم نبه على الأصل، والحقيقة بنصب ما كان فاعلاً على التمييز، والثالثة فيها هذا التحويل، وابراز التمييز في صورة التعليل كما نحن فيه، وهو أبلغ لبعده عن الأصل، وعدم ذكر الفاعل فيه، ومن تعليلية، وقيل أراد أن الدمع على الأوّل هو الماء المخصوص، وعلى الثاني الحدث، وهو على الأول مبدأ مادي، وعلى الثاني سببيّ، وقد جوّز في سورة براءة في قوله تعالى :﴿ تولوا أعينهم تفيض من الدمع حزنا ﴾ أن يكون من الدمع بيانا كقوله أفديك من رجل، وان كان الأكثر في هذا القسم من البيان أن يأتي منكرا ا!.
وما ذهب إليه ثمة من كون من بيانية، وأنها التي تدخل على التمييز مردود، وان كان الكوفيون ذهبوا إلى جواز تعريف التمييز، وأنه لا يشترط تنكيره كما هو مذهب الجمهور لأن التمييز المنقول عن الفاعل يمتنع دخول من عليه، وإن كانت مقدرة معه فلا يجوز تفقأ زيد من شحم فامتنع أن يكون تمييزا، وما ذهب إليه الزمخشري ثقة مخالف لكلامهم كما في الدر المصون فلا يصح قياسه على المثل الذي ذكره لأنه مفعول، وسيأتي بيانه في محله. توله :) من الأولى للابتداء والثانية لتبيين ما عرفوا الخ ) أي من الأولى لابتداء الغاية، والثانية تحتمل البيانية، والتبعيضية كما قال الزمخشرفي : الأولى لابتداء الغاية على أنّ فيض الدمع ابتدأ ونشأ
من معرفة الحق، وكان من أجله، وبسببه، والثانية لتبيين الموصول الذي هو ما عرفوا، وتحتمل معنى التبعيض على أنهم عرفوا بعض الحق فأبكاهم، وبلغ منهم فكيف إذا عرفوه كله، ولم يتعرض لما يتعلق به الجاران لكن في كلامه إشارة إليه فمن الأولى متعلقة بمحذوف على أنه حال من الحق أي حال كونه ناشئا من الحق، واليه أشار بقوله على أنّ فيض الدمع ابتدأ ونشأ من معرفة الحق، ولا يجوز تعلقه بتفيض لئلا يتعلق حرفا جر بمعنى بعامل واحد فمان من في من الدمع