ج٣ص٢٧٩
الوجوه، والا فإذا رجع الضمير إلى التعاطي لا يكون كذلك. قوله :( وجعله سبباً يرجى منه الفلاح ) ضمير جعله للاجتناب والسببية من لعل لأنها بمعنى ير ووجه المبالغة فيه باعتبار ظاهر الترجي وافادته أنه ذنب عظيم بعد ارتكابه لا يقطع بالفلاح بمجرّد الإقلاع عنه بل يرجى له ذلك. قوله :( وإنما خصهما لإعادة الذكر ) أي الخمر والميسر هما المقصودان لأنهما هما اللذان صدرا منهم كما قال تعالى :﴿ يسألونك عن الخمر والميسر ﴾ [ سورة البقرة، الآية : ٢١٩ ] الآية، وقوله ﷺ :" شارب الخمر كعابد الوثن " حديث رواه الترمذي بلفظ مد من الخمر وحمل على المستحل، ولا حاجة إليه، وهذا دليل على بعض المدعي أو جعل الأزلام بمنزلة الوثن، وهو بعيد وقيل إنهما لم يخصا بالذكر لأنّ معنى يصدكم عن ذكر الله بعبادة غيره، وهي الأنصاب وعن الصلاة بالاشتغال بالأزلام وهو تقدير من غير دليل، والشرارة بكسر الشين المعجمة الشر. قوله :( وخصر الصلاة من الذكر بالإفراد الخ ( لأن ما يصد عن ذكره يصدّ عنها لأنّ الذكر من أركانها فأفردت بالذكر تعظيما لها كما في ذكر الخاص بعد العام. قوله :( والإشعار بأنّ الصادّ عنها كالصاذ عن الإيمان الخ ) كأن وجهه أنّ الأوّل بيان لتعظيمها في ذاتها،
وهذا بيان لأنه غاية مراد الشيطان من شرب الخمر، ومنتهى آماله ذلك فيها، ولا أحب إلى الشيطان من إيقاعها في الكفر فلولا أن تركها يؤذي إليه لما كانت محط نظره، ولذلك سميت عماد الدين في الحديث لأن الخباء لا يقوم بلا عماد، والفارق بين الإيمان، والكفر الصلاة لأن التصديق القلبي لا يطلع عليه، وهذه أعظم شعائر المشاهدة في كل وقت ولذا طلبت فيها الجماعة ليشاهدوا الإيمان، ويشهدوا به فافهمه فإنه خفي على من قال إنه لا إشعار في النظم بما ذكر، وصدها عن الصلاة لأنها تشغلهم عنها، ولأنّ السكران لا يقرب الصلاة. قوله :( أعاد الحث على الانتهاء الخ ا لأنه فهم أولاً من قوله تعالى :﴿ فاجتنبوه ﴾ مع ما معه من تأكيدات التحريم، وقوله : إيذانا بأن الأمر الخ. أي الشأن والحال أو الأمر الطلبي باجتنبوه بلغ غاية الظهور حتى لا حاجة إلى أمرهم به لظهور أدلته القاطعة للأعذار فلذا عبر بالاستفهام الإنكاري مع الجملة الاسمية، والفاء المعقبة الدالة على أنها قد ثبتت الصوارف عنها، وتبينت وجوه الفساد فيها حتى أن العاقل إذا خلي، ونفسه بعد ذلك لا ينبغي أن يتوقف في الانتهاء، وقوله : أو مخالفتهما أعم من التفسير الأوّل فيكون مؤكدأ لقوله :﴿ أطيعوا اللّه ﴾ وعلى الأوّل مؤسس، ولذا قدمه وقوله وإنما ضررتم به أنفسكم إشارة إلى أنّ قوله :﴿ فاعلموا ﴾ الخ جواب باعتبار لازمه المكنى به عنه. قوله :) إذا ما اتقوا الخ ( تعليق نفي الجناح بهذه الأحوال ليس على سبيل اشتراطها فإن عدم الجناج في تناول المباح الذي لم يحرم لا يشترط بشرط بل على سبيل المدج، والثناء، والدلالة على أنهم بهذه الصفة، وسبب النزول ليس وجهاً آخر في معنى الآية، ودفع ما فيها من التكرار بل إشارة إلى أنّ الآية نزلت في المؤمنين عاقة، ويدخل فيهم هذه الطائفة أو في هذه الطائفة لكن الحكم عام، وقوله : اتقوا المحرم الخ إشارة إلى دفع التكرار في الآية، وسيأتي تفصيله. قوله :( روي أنه لما نزل الخ ( أخرجه أحمد في مسنده عن أبي هريرة
رضي الله تعالى عنه، وهو في الصحيحين عن أنس رضي الله تعالى عنه. قوله :) ويحتمل أن يكون هذا التكرير الخ ( قال الطيبي رحمه الله تعالى : المعنى أنه ليس المطلوب من المؤمنين الزهادة عن المستلذات، وتحريم الطيبات، وإنما المطلوب منهم الترقي في مدارج التقوى والإيمان إلى مراتب الإخلاص واليقين، ومعارج القدس، والكمال، وذلك بأن يثبتوا على الاتقاء عن الشرك وعلى الإيمان بما يجب الإيمان به وعلى الأعمال الصالحة لتحصيل الاستقامة التامّة التي يتمكن بها إلى الترقي إلى مرتبة المشاهدة، ومعارج أن تعبد الله كأنك تراه، وهو المعنى بقوله تعالى :﴿ وأحسنوا ﴾ الخ وبه ينتهي للزلفى عند الله، ومحبته والله يحب المحسنين، وفي هذا النظم نتيجة من قوله ! ليس الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن الزهد أن تكون بما بيد الله أوثق منك بما في يديك، وهذا دفع للتكرير، وأنه ليس لمجرّد التأكيد لأنه يجوز فيه العطف بثم كما صرح به ابن مالك في قوله تعالى :
﴿ كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون ﴾ [ سورة التكاثر، الآية : ٣ ] بل به باعتبار تغاير ما علق به مرّة بعد أخرى، والمصنف رحمه الله