ج٣ص٢٨٠
أشار أولاً إلى تغايرها بأنّ المراد بالأوّل اتقاء ما حرّم عليهم أولاً مع الثبات على الإيمان، والأعمال الصالحة إذ لا ينفع الاتقاء بدون ذلك، والثاني اتقاء ما حزم عليهم بعد ذلك من الخمر ونحوه، والإيمان التصديق بتحريم ذلك، والثالث الثبات على اتقاء جميع ذلك من السابق، والحادث مع تحري الأعمال الجميلة فالمراد بالأوتات الثلاثة زمان التحريم الأوّل الماضي، وزمان التحريم الثاني الذي هو بمنزلة الحال، وزمان الثبات على جميع ذلك في المستقبل. قوله :) أو باعتبار الحالات الئلاث ) باًن يتقي اللّه، ويؤمن به في السرّ ويجتنب ما يضرّ نفسه من عمل، واعتقاد ويتقي الله ويؤمن به علانية، ويجتنب ما يضرّ الناس، ويتقي الله، ويؤمن به بينه وبين اللّه بحيث يرفع الوسايط، وينتهي إلى أقصى مراتب التقوى في الدرجة السالفة القابلة للقوى النفسانية ولما في هذه الحالة من الزلفى منه تعالى ذكر الإحسان فيها لأن الإحسان كما فسره النبيّ ﷺ في حديث البخاري : ا الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ". قوله :) أو باعتبار المراتب الثلاث ( أي مراتب التقوى الثلاث التي مرّ تفصيلها، ومن قال المراد به مبدأ السلوك أو مبدأ العمر فقد غفل عن مراده أو تغاير التقوى
باعتبار تغاير المتقي منه، وهو العقاب، والوقوع في حمى المحرمات، والتدنس بدنس الطبيعة والهيولى، وقوله فلا يؤاخذهم بشيء لأنه لازم المحبة فهو كناية كما في قوله :﴿ وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم ﴾ [ سورة المائدة، الآية : ١٨ ] وكان الظاهر، والله يحب هؤلاء فوضع المحسنين موضعه إشارة إلى أنهم متصفون بذلك. قوله :( نزلت في عام الحديبية ) مرّ أنّ الحديبية بالتخفيف، وأنّ منهم من شددها، وهي اسم مكان معروف، وهذا أخرجه ابن أبي حاتم عن مقاتل. قوله :( والتحقير في بشيء للتنبيه الخ ( تدحض من أدحض أي أزل، وهو كناية عن إزالة الثبات، والتصبر، والتحقير، والتقليل من شيء وتنكيره قيل عليه إن هذه الصيغة بعينها وردت في الأموال، والأنفس من الفتن العظام كقوله تعالى :﴿ بشيء من الخوف والجوع ونقص من الآموال والأنفس والثمرات ﴾ [ سورة البقرة، الآية : ١٥٥ ] وهو إشارة إلى ما يقع به الابتلاء من هذه الأمور فهو بعض من كل بالإضافة إلى مقدوره تعالى فإنه قادر على ابتلائهم بأعظم مما ذكر ليبعثهم بذلك على الصبر، ويدل على ذلك أنه سبق الوعد به قبل حلوله لتوطين النفوس فإنّ المفاجأة بالشدائد شديدة الألم، وإذا فكر العاقل وجد ما صرف عنه من البلايا أكثر مما وقع فيه بأضعاف لا تقف عنده غايته فسبحان اللطيف بعباده.
( أقول ) ما ذكره العلامة بعينه أشار إليه الشيخ في دلائل الإعجاز لأن شيء إنما يذكر لقصد التعميم نحو وان من شيء إلا يسبح بحمده، أو الإبهام، وعدم التعيين أو التحقير لادعاء أنه لحقارته لا يعرف، ولذا عيب على المتنبي قوله :
لو الفلك الدوّارأبغضت سعيه هموّقه شيء عن ا!ل وران
مع استحسانها في قول أبي حية النمري :
إذاماتقاضى المرءيوم وليلة تقاضاه شيء لايمل التقاضيا
وهنا لو قيل ليبلونكم بصيد تتم المعنى فإقحامها لا بد له من نكتة وهي ما ذكر، وأما ما
أورده من الآية الأخرى فشاهد له لا عليه لأنه المقصود فيه أيضا التحقير بالنسبة إلى ما دفعه الله عنهم كما صرّح به المعترض مع أنه لا يتم الاعتراض به إلا إذا كان ونقص معطوف على مجرور من، ولو عطف على بشيء لكان مثل هذه الآية بلا فرق، والعجب أنه مع ظهوره أورده الطيبي رحمه الله ولم يتنبه له. قوله :( ليتميز الخائف من عقابه الخ ) هذا بيان محصل المعنى، ووجه التجوّز فيه ما سياتي من أنّ العلم مستعمل في لازم معناه، وهو وقوع المعلوم، وظهوره لأنّ علمه تعالى لا يتخلف عنه أو أنّ المراد من العلم المتعلق بالمعلوم، وضمير هو للعقاب أي والعقاب لم يقع بل منتظر على صيغة المفعول إن وقع منه إثم، وقوله لضعف قلبه أراد به قلة يقيته وألا فضعف القلب بالمعنى المعروف لا يناسب عدم الخوف فقوله ة وقلة إيمانه تفسير له، ومن موصولة، ويجوز أن تكون استفهامية أي جواب من يخافه، وبهذا علم ضعف ما قيل لفظ الله فاعل يعلم فلا يصح أن يكون معنى ما ذكر والا لاختل نظام الكلام، إلا أن يكون المراد من مجموع يعلم الله الخ