ج٣ص٢٩٠
الراغب إلى أنّ الواو للعطف هنا، والهمزة للتعجيب من جهلهم أي يكفيهم ذلك، وان كان آباؤهم لا يعلمون فيفعلون ما يقتضيه علمهم، ولا يهتدون بمن له علم قيل : جعلوا الواو في مثله للحال وليس ما دخلته الواو حالاً من جهة المعنى بل ما دخلته لو أي، ولو كان الحال أنّ آباءهم لا يعلمون وفيه نظر ومن الغريب أنّ بعض المفسرين سمى هذه الهمزة همزة التوقف، وهي تسمية غريبة كما في الدار المصون وفي كون الجملة الاستفهامية الانشائية حالاً تأمل يحتاج إلى نظر دقنق، وقوله : فلا يكفي التقليد أي التقليد من غير أن يعلم
أنّ من قلده له حجة صحيحة على ما قلده فيه حتى قالوا إن للمقلد دليلاً اجماليا، وهو دليل من قلده وأوّل من فعل هذا عمرو بن لحيّ بن جمعة بن خندف. قوله :( أي احفظوها والزموا صلاحها الخ ) يعني اسم فعل أمر نقل أمر نقل إلى ذلك مجموع الجار والمجرور لا الجار وحده كما قيل وهو متعد، وقد يكون لازما بمعنى تمسك كما في قوله ﷺ :" عليك بذات الدين " وعلى قراءة الرفع فهو مبتدأ أو خبر أي لازمة عليكم أنفسكم، أو حفظ أنفسكم لازم عليكم بتقدير مضاف في المبتدأ، وهي قراءة شاذة لنافع وكون أسماء الأفعال موضوعة للألفاظ أو للمعاني محقق في النحو، وقول المصنف رحمه الله أسماً لالزموا ظاهر في الأوّل. قوله :( لا يضركم الضلال إذا كنتم مهتدين ومن الاهتداء الخ ) أي ضلال غيركم لا يضركم إذا كنتم على الهدأية، ولما توهم من ظاهر الآية الرخصة في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأذن في ذلك ينافي الأمر به أشاروا إلى الجواب عنه بوجوه.
الأوّل : أنه للمنع عن هلاك النفس حسرة وأسفا على ما فيه الكفرة والفسقة من الضلال. والثاني : أنه تسلية لمن يأمر وينهى ولا يقبل منه عند غلبة الفسق وبعد عهد الوحي.
والثالث : أنه للرخصة في تركهما إذا كان فيهما مفسدة فوقهما.
والرابع : أنه للأمر بالثبات على الإيمان من غير مبالاة بنسبة الآباء إلى السفه حيث كانوا
على الكفر والضلال وأبناؤهم على الإيمان والهدى، والخامس أن الاهتداء لا يتم إلا بالأمر بالمعروف والنهي المذكور لأنّ تركه مع القدرة عليه ضلال، وجميع الوجوه تؤخذ من كلام المصنف رحمه الله فالأوّل من قوله لما كان المؤمنون يتحسرون الخ، والثاني يؤخذ من قوله حسب طاقته لأنه يثير إلى أنّ ما لا يطاق معفو عنه ومن عدم الطاقة كثرة الفسقة، وكذا الثالث والرابع من قوله وقيل كان الرجل الخ والخامس : وهو مما زاده على الكشاف من قوله ومن الاهتداء الخ فلم يترك شيئا من الكشاف كما قيل. وقوله :( من رأى منكا ) الحديث الخ أخرجه مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه. قوله :( ولا يضركم يحتمل الرفع على أنه مستأنف الخ ) أي هو إما مرفوع مستأنف لا تعلق به بالأمر، أو هو جواب للأمر والمعنى إن لزمتم أنفسكم لا
يضركم والضمة على الأول رفع وعلى هذا حرك لالتقاء الساكنين بالضم إتباعا لما قبله، وكذا على تقدير كونه نهيا وليس المراد في النهي نهي من ضل عن الضرر بل المعنى نهي المخاطبين عما يؤدي إلى الضرر من جهة من ضل كناية على طريقة قوله لا أرينك ههنا، وقراءة الفتح لتحريكه بالفتح تخفيفا لالتقاء الساكنين، وضاره يضيره ويضوره بمعنى ضره كذمّه وذامه. قوله :( وتنبيه على أنّ أحدا الخ ا لأنه يدل على أنباء كل شخص بعمله دون عمل غيره والمقصود من الأنباء المؤاخذة به. قوله :( أي فيما أمرتم شهادة بينكم ) اعلم أنهم قالوا : ليس في القرآن آية أعظم إشكالاً حكما واعرابا وتفسيرا من هذه الآية والتي بعدها حتى صنفوا فيها تصانيف مفردة قالوا : ومع ذلك لم يخرح أحد من عهدتها، والشهادة لها معان منها الإحضار كقوله :﴿ واستشهدوا شهيدين من رجالكم ﴾ [ سورة البقرة، الآية : ٢٨٢ ] ومنها القضاء نحو شهد الله أي قضى، ومنها أقرّ ومنها حكم ومنها حلف ومنها علم ومنها وصى كما في هذه الآية، وفيها قراآت متعدّدة فقرأها الجمهور برفع شهادة على أنها مبتدأ واثنان خبرها وجعلوها على حذف مضاف من الأول أي ذوا شهادة بينكم اثنان من الناس أو شهادة بينكم شهادة اثنين ليتصادق المبتدأ والخبر، ومنهم من جعل الشهادة بمعنى الشهود كرجل عدل أو الخبر محذوف، واثنان مرفوع بالمصدر الذي هو شهادة والتقدير فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان، وهو قول الزجاج : وتبعه الزمخشريّ وإذا ظرف لشهادة أي ليشهد وقت حضور الموت أي أسبابه، وحين