ج٤ص١٤٨
لأنّ القرية تطلق على أهلها مجازاً، وما ذكره المصنف رحمه الله يرد عليه ما قاله بعض المدققين في تفسيره حيث قال فيه إشكال أصولي وهو أنّ الإرادة إن كانت باعتبار تعلقها التنجيزي فمجيء البأس مقارن لها لا متعقب لها وبعدها، وان لم يرد ذلك فهي قديمة فإن كان البأس يعقبها لزم قدم العالم فإن تأخر عنها لزم أن يعطف بثم، فإن قلت الإرادة القديمة مستمرّة إلى حين مجيء البأس فعدم مجيء البأس عقب آخر مدتها قلت لو قلت قام زيد فأكرمته لم يلزم أن يكون الإكرام بعد كمال القيام بل قد يكون قبل كماله، وأجاب ابن عصفور بأنّ المراد أهلكناها إهلاكا من غير استئصال فجاءهم إهلاك استئصال، وقال ابنه شام أجيب أيضاً بأنها للترتيب الذكري، وقال ابن عطية : معناه أهلكناها بخذلان أهلها وهو اعتزاليئ فالصواب أن يقال معناه خلقنا في أهلها الفسق والمخالفة ؤجاءها بأسنا، فإن قلت في الآية تقديم وتأخير أي أهلكناها أو هم قائلون فجاءها بأسنا فالإهلاك في الدنيا، ومجيء البأس في الآخرة فيشمل عذاب الدارين، قلت يأباه قوله :﴿ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا ﴾ [ سورة الأعراف، الآية : ٥٠ ] فإنه يدلّ على أنه في الدنيا اهـ ( وأنا أ!دول ) دفع هدّا الإشكال على طرف التمام فالمراد تعلقه التنجيزي قبل وقوعه أي قصدنا إهلاكها فافهم. قوله :( بياناً ( هو في الأصل مصدر بات يبيت بيتا وبيتة وبياتاً وبيتوتة، قال الليث : البيتوتة الدخول في الليل ونصبه على الحال بتأويله ببائتين وجوّز أن يكون على الظرفية، لأنه فسر بليلاً والأوّل هو الظاهر، ولذا اقتصروا عليه. قوله :( أو هم قائلون ) أو للتنويع أي أتاهم تارة ليلاً كقوم لوط عليه الصلاة والسلام، وتارة وقت القيلولة كقوم شعيب-ك!، والقيلولة من قال يقيل فهو قائل وهي الراحة والدعة وسط النهار، وان لم يكن معها نوم وقال الليث هي نومة نصف النهار واستدل للأوّل بقوله تعالى :﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ﴾ [ سورة الفرقان، الآية : ٢٤ ] والجنة لا نوم فيها ودفع بأنه مجاز والأمر فيه سهل. قوله :( وإنما حذفت واو الحال استثقالاً ( كذا في الكشاف واعترض عليه باًن الضمير يكفي في الربط وإنما يحتاج إلى الواو عند عدمه كما اشتهر في النحو، وهو قد جوّز في قوله تعالى ﴿ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ﴾ [ سورة البقرة، الآية : ٣٦ ] الحالية بدون واو فكيف يكون ممتنعا، أو غير فصيح وقد نص الزجاج وأبو
حيان على خلافه مع أنه لو سلم هدّا فإنه في ابتداء الحال، وأما الحال المعطوفة فلا تقترن بواو الحال، واذعاء حذفها صريح في أنه لا بذ منها حتى تكون مقدرة إذا لم يلفظ بها فلا تكون نسبا منسياً لكنه مذهب بعضهم، وهل هو مطلق أو فيه تفصيل سنقصه عليك قريبا مع ماله وعليه. قوله :( فإنها واو عطف استعيرت للوصل ) تبع فيه السكافي ومن نحا نحوه وقد ردّه أبو حيان وصاحب الانتصاف بما لا وجه له فذهب إلى أنها موضوعة لربط الحال ابتداء وليست منقولة من العطف والأمر فيه سهل. قوله :( لا اكتفاء بالضمير فإنه غير فصيح ) هذا مذهب الزمخشرقي، وقد تبع فيه الفراء وابن الأنباري، وظاهرة أنه كذلك مطلقا قال في البديع الاسمبة الحالية لا تخلو من أن تكون من سببيّ ذي الحال أو أجنبية فإن كانت من سببية لزمها العائد والواو تقول جاءني زيد وأبوه منطلق، وخرج عمرو ويده على رأسه إلا ما شذ قالوا كلمته فوه إلى فيّ، وان كانت أجنبية لزمتها الواو ونابت عن العائد وقد يجمع بينهما نحو قدم عمرو، وبشر قام إليه وقد جاءت بلا واو ولا ضميرقال :
ثم انتصبنا جبال الصفد معرضة عن اليسار وعن إيماننا جدد
فجبال الصفد معرضة حال ا هـ، وقد عرفت أنه مذهب النحاة من غير تفصيل فيه وقد صرّح
به الثيخ عبد القاهر أيضأ لكنه جعله على قسمين ما تلزمه الواو ومطلقأ وهو ما إذا صدر بضمير ذي الحال نحو جاء زيد وهو يسرع لأنّ إعادة ضميره تقتضي إن الجملة مستأنفة لئلا تلغو الإعادة فاذا لم يقصد الاستئناف فلا بد من الواو، وما عداه يلزمه الواو في الفصيح إلا على طريق التشبيه بالمفرد والتأويل فإنه حننئذ قد تترك الواو جوازا، ولم يجعله فصيحا فلا معارضة بين أوّل كلامه وآخره كما توهم، وأما قوله تعالى :﴿ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ﴾ [ سورة البقرة، الآية : ٣٦ ] فقيل الأظهر فيه أنه استئناف لا سيما إذا أريد معاداة بني آدم بعضهم لبعض، وهو الراجح عند الزمخشرقي وأما إرادة معاداة آدم حواء مع إبليس، والحية وجعل الجملة حالية بتأويل متعادين فابداه على سبيل