ج٤ص١٤٩
الاحتمال كما هو دأبه لا أنه مختاره، وتأويل الجملة بالمفرد يصار إليه إذا انتزع المفرد من جملة أجزائها لا من الخبر كمتعادين هنا، ولى " من غيره والا فما من حال إلا وهي في معنى مفرد، وما قيل : من أنّ الضابط نيه أنه إذا كان المبتدأ ضمير ذي الحال تجب الواو والا فإن كان الضمير فيما صدر به الجملة سواء كان مبتدأ نحو فوه إلى فيّ وبعضكم لبعض عدوّ أو خبراً نحوه :
وجدته حاضراه الجود والكرم
فلا يحكم بضعفه لكون الرابط في أوّل الجملة، والا فضعيف قليل كقوله :
نصف النهار الماء غامره
في رواية فكلام مخالف للمذهبين، والذي غرّه فيه ظاهر كلام الشيخ وفيه نظر ( بقي هنا
أمران ) يجب التنبيه لهما الأوّل أنهم أطلقوا الحكم هنا، وقد قال ابن مالك في شرح الألفية إن
كانت الجملة الاسمية مؤكدة لزم الضمير، وترك الواو نحو هو الحق لا شبهة فيه، وذلك الكتاب لا ريب فيه وتبعه ابن هشام، ونقله الطيبي هنا عن السكاكي فلا يعدل عنه إلا لنكتة الثاني أنّ ظاهر كلامهم هنا أنّ الواو الحالية يصح أن تقع بعد العاطف نحو سبح الله وأنت راكع أو وأنت ساجد بل يلزم ذلك لكنها تحذف للتخفيف، ولئلا يجتمع عاطفان صورة وبه صرّح الفراء كما نقله المعرب وارتضاه صاحب الانتصاف وقد منع ذلك أبو حيان ولم يحك فيه خلافا فقال نص النحويون على أنّ الجملة الحالية إذا دخل عليها حرف عطف امتغ دخول واو الحال عليها للمشابهة اللفظية، وهو من الفوأئد البديعة فاحفظه. قوله :( وفي التعبيرين مبالغة في غفلتهم الخ ) حيث عبر في الأولى بالمصدر وجعلها عين البيات مبالغة، وفي الثانية بالجملة الاسمية المفيدة للثبوت مع تقديم المسند إليه المفيد للتقوّى قيل، والمبالغة ظاهرة لا تحتاج إلى البيان، وإنما المحتاج إليه كونها في غفلتهم وأمنهم من العذاب فاستدل عليه بقوله، ولذلك خص الوقتين اللذين فيهما كمال الغفلة عن العذاب ثم عطف عليه قوله ولأنهما وقت دعة واستراحة يعني أنّ تخصيصهما لأجل الغفلة وكونهما وقت الاستراحة، ثم قال : فيكون مجيء العذاب فيهما أفظع، وأراد أن تخصيص الوقتين المعلل بما ذكر معلل بذلك هذا هو التحقيق، ومن قال : إنما المبالغة في التعبير لا اختصاص له بالوقتين لم يحم حول المراد ا هـ ولا يخفى أنّ البيتوتة والقيلولة تقتضي الغفلة والأمن إذ لولاهما لم يبيتوا ولم يقيلوا فالمبالغة فيهما مبالغة في مقتضاهما، فلأجل ذلك خص الوقتان بذلك ومحصله ذمّهم بالغفلة عما هم بصدده فلذا قالوا وباتوا ولم يحذروا غضب الله والنكتة الأخرى أنه تعالى أنزل العذاب عليهم في هذين الوقتين، لأنه أشد وأنكى فخص مجازاتهم بهما لتكميل استحقاقهم لها فيهما، والدعة بفتح الدال والتخفيف الخفض والاستراحة، وإنما خولف بين العبارتين وبنيت الحال الثانية على تقوّي الحكم، والدلالة على قوّة أمرهم فيما أسند إليهم لأنّ القيلولة أظهر في إرادة الدعة، وخفض العيش فإنها من دأب المترفين، والتنعمين دون من اعتاد الكدج، والتعب وفيه إشارة إلى أنهم كانوا أرباب أشر وبطر. قوله :( أي دعاؤهم الخ ) الدعوى المعروف فيها أنها بمعنى الادّعاء وتكون بمعنى المدّعي أيضاً وقد وردت بمعنى الدعاء والاستغاثة قال تعالى :﴿ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ ﴾ [ سورة يونس، الآية : ١٠ ] وحكى الخليل عن العرب اللهم أشركنا في صالح دعوى المسلمين أي في صالح دعائهم، والى المعنيين أشار المصنف أي لم يكن عاقبة دعائهم واستغاثتهم أو ما ادّعوه إلا هذا الاعتراف وجعله عين ذلك مبالغة على حد قوله :
تحية بينهم ضرب وجيع
وجوّزوا فيه أن يكون دعواهم اسم كان وأن قالوا خبرها، والعكس والثاني أولى لأنه أعرف ولأنه المصرّح به في غير هذه الآية، وأورد عليه أنّ الاسم والخبر إذا كانا معرفتين واعرابهما مقدّر لا يجوز تقديم أحدهما على الآخر فيتعين الأوّل وقد أجيب عنه بأنه عند عدم القرينة والقرينة هنا كون الثاني أعرف وترك التأنيث وأيضاً هذا إذا لم يكن حصر فإن كان يلاحظ ما يقتضيه فتأمّل. قوله :﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ ﴾ الخ قال الطيبي رحمه اللّه : هذا السؤال واقع في الحشر وقوله :﴿ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ ﴾ وارد في الدنيا لتعقبه لقوله :﴿ وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا ﴾ [ سورة الأعراف، الآية : ٤ ] الخ فالفاء في فلنسألن فصحيحة كأنه قيل فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا في الدنيا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين فقطعنا دابرهم، ثم لنحشرنهم فلنسألنهم، وفي الكشف لعل الأوجه أن يجعل فلنسألن متعلقا بقوله اتبعوا ولا تتبعوا، وقوله :﴿ وَكَم مِّن قَرْيَةٍ ﴾ معترض حثا


الصفحة التالية
Icon