ج٤ص١٦٠
بالتعرّي عن الذنوب والآثام، وفي السير أنهم كانوا يلبسون ثياب قريش فمن لم يجدها طاف عريانا. قوله :( ولباساً تتجملون به الخ ) فعطفه إمّا من عطف الصفات فوصف اللباس بثيئين مواراة السوأة والزينة فالريش بمعنى الزينة لأنه زينة الطير فاستعير منه ويحتمل أنه من عطف الشيء على غيره أي أنزلنا لباسين لباص مواراة ولباس زينة فيكون مما حذف فيه الموصوف أي لباساً ريشاً أي ذا ريش والريش مشترك بين الاسم والمصدر، وقرئ رياشا وهو مصدر كاللباس أو جمع رائش. قوله :) خثية الله الخ ) ففي الوجهين الأوّلين مجازاً ومشاكلة وفي الأخير حقيقة. قوله :( ورفعه بالابتداء وخبره ذلك خير ) أي الجملة خبره والرابط اسم الإشارة لأنه يكون رابطا كالضمير أو خير خبر، وذلك صفة لباس
التقوى كما قاله الزمخشري : وقد سبقه إليه الزجاج وابن الأنباري وغيره، واعترض عليه الحوفي بأن الأسماء المبهمة أعرف من المعرف باللام ومما أضيف إليه، والنعت لا بد أن يساوي المنعوت في رتبة التعريف أو يكون أقل منه ولا يجوز أن يكون أعرف منه كما صرّح به النحاة، فلذا قيل إنه بدل أو بيان لا نعت، وأجاب عنه المعرب بأنه غير متفق عليه فإنّ تعريف اسم الإشارة لكونه بالإشارة الحسية الخارجية عن الوضع قيل إنه أنقص من ذي اللام، والمصنف رحمه الله أشار إلى جواب وهو أنه بمعنى المعرف باللام فيكون في مرتبته، وقد قيل إنّ ال موصولة فتتساوى رتبتهما وفيه نظر، وقد قيل إنّ ذلك لا محل له من الإعراب وهو فصل كالضمير، وهو غريب قيل لم يسبق إليه وقد سبقه له أبو عليّ في الحجة والإشارة بالبعيد للتعظيم بتنزيل البعد الرتبي منزلة الحسيّ، ثم إن كانت الإشارة للباس المواري فلباس التقوى حقيقة والإضافة لأدنى ملابسة وإن كانت للباس التقوى فهو استعارة مكنية وتخييلية بأن يتوهم للتقوى حالة شبيهة باللباس تشتمل على جميع بدنه بحسب الورع والخشية من الله اشتمال اللباس على اللابس ليست حال خارجية بل صورة وهمية كما في قوله تعالى :﴿ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ ﴾ أسورة النحل، الآية : ١١٢ ] قاله العلامة : أو من قبيل لجين الماء وعلى قراءة النصب يكون اللباس المنزل ثلاثة أو يفسر لباس التقوى بلباس الحرب فقط أو يجعل الإنزال مشاكلة فتأمّل. قوله :( أي إنزال اللباس ) المتقدم كله أو الأخير لقربه وقوله فيعرفون عطف على يذكرون ويتعظون عطف عليه ويتورّعون مفرّع على يتعظون أو فيعرفون تفريع على يذكرون مشاراً إلى يرفعه فقوله فيتورّعون تفريع على يتعظون في مقابلة فيعرفون نعمته فتأئل، وقوله الدالة على فضله ورحمته إشارة إلى أنّ الآيات هنا بمعنى الأدلة. قوله :( لا يمحننكم ) تقدم أنّ الفتنة معناها التخليص من الغش وأنها تطلق على الابتلاء والإضلال، وهو المراد وهذا نهي للشيطان في الصورة والمراد نهي المخاطبين عن متابعته وفعل ما يقود إلى فتنته كما تقدم تحقيقه في قوله :﴿ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ ﴾ [ سورة الأعراف، الآية : ٢ ] والقراءة المشهورة بفتح حرف المضارعة وقرئ بضمها من أفتنة حمله على الفتنة وقرئ بغير توكيد أيضا. قوله :( كما محن أبويكم بأن أخرجهما منها الخ ) يعني أنّ قوله كما أخرج وضعموضع كما فتن وضعاً للسبب موضحع المسبب أي أوقعهما في المحن والبلاء بسبب الإخراج ويجوز أن يكون التقدير لا يفتننكم فتنة مثل فتنة إخراج أبويكم أو لا يخرجنكم بفتنته إخراجا مثل إخراجه أبويكم ولا منافاة بين كون الهبوط عقاباً على تلك الزلة وكونه لجعله خليفة لأنّ من العقاب ما يترتب عليه
الأنعام فتأمّل. قوله :( حال من أبويكم أو من فاعل أخرج ا لاشتماله على ضميريهما وكل منهما صحيح معنى والصناعة مساعدة عليه ولفظ المضارع قالوا إنه لحكاية الحال الماضية لأنها قد تقضت وانقطعت، وردّ بأنه ليس على حكاية الحال الماضية على ما توهم وان كان الأمر كذلك يعني أنه يقارن الإخراج في البقاء، وهو كاف في مقارنة الحال لعاملها وليس بوارد لأن النزع السلب وهو ماض بالنسبة إلى الإخراج وإنما الباقي عريهما والإسناد إليه مجازي لكونه سببا في ذلك إذ لم ينزعه عنهما وهو ظاهر، وقوله :( تعليل للنهي ) كما هو معروف في الجملة المصدرة بأنّ في أمثاله، وتأكيد للتحذير لأنّ العدوّ إذا أتى من حيث لا يرى كان أشد وأخوف. قوله :( ورؤيتهم إيانا الخ ) ردّ على الزمخشري وغيره من المعتزلة المنكرين لرؤية الجن لرقة أجسامهم ولطافتها


الصفحة التالية
Icon